للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدنيا في تلوّن أحداثها وتفاضل أرزاقها فهو حاصل على الثاني لا شكّ فيه ولا شبهة عند كلّ ذي لبّ وديانة، ولا يعدم مزيدا، لأنّ حظوظه بقدر الفائت من غيره.

فإذا تدبر الإنسان [أمره] وجده مبنيّا [١] على تدريج في الزيادة، قد لزم نطاقا لا يقطعه، ومنهاجا [٢] لا يزول عنه، وصادف كلّ منزلة من منازله فوق التي أمامها، ودون التي وراءها، إذ كان معدوما ثم صار موجودا على ضروب [٣] يخرج فيها من واحدة إلى أخرى: قد مار في ظهور الذكور، وارتكض في أرحام [٤] الإناث، ثم برز إلى الهواء فنسمه، ووقع إلى الثدي فارتضعه، ونما على الأرض فحبا، ونهض فسعى، ووعى [٥] وعقل ورأى، وأخذ وأعطى، واستمر به النشوء [٦] مترقّيا من كلّ حال إلى ما هو أعلى، ومن كلّ غاية إلى ما هو أوفى، وهو مع ذلك [٧] لا ينتقل إلى الرتبة الفاضلة إلا بمفارقة المفضولة، ولا يصل إلى المستأنفة إلا بالانفصال عن السالفة، حتى إذا نال الكمال أطلعه الله على ضروب مواهبه لديه، وصنوف إحسانه إليه، وأمره بأوامره، [وزجره بزواجره، ووعده وأوعده، وخبره وأنذره، ووفاه ما رزقه من أجله] [٨] توفاه عند المحتوم من أجله، ثم بعثه إلى مقر بناه على إمكان البقاء والخلود، وسقوط التكاليف والحدود، وهناك تتناهى النعمة عليه التي هو في هذا العالم مجتاز إليها ومتوجّه نحوها في طريق قد أمر بلزوم جوادّها، ونهي عن التعسّف في أغوارها [٩] ؛ لكنه ينتقل في هذه المراتب مكرها لا طائعا، ومجبرا لا مختارا.


[١] ب: مبينا.
[٢] جمهرة: وسياجا.
[٣] جمهرة: صور.
[٤] جمهرة: بطون.
[٥] جمهرة: وسمع ووعى.
[٦] ب م: البشرية.
[٧] م والجمهرة: ومع ذلك.
[٨] ما بين معقفين زيادة من الجمهرة.
[٩] ب: أعوارها؛ جمهرة: عواذلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>