للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالجنون، فكانت لا تعقل ولا تصغي إلى قول من أعلمها أنهما قد قتلا، ولا تزال تطوف في الموسم تنشد الناس أبياتا منها: [من البسيط]

يا من أحسّ بنّييّ اللذين هما ... كالدرّتين تشظّى عنهما الصّدف

يا من أحسّ بنّييّ اللذين هما ... سمعي وقلبي فقلبي اليوم مختطف

نبئت بسرا وما صدّقت ما زعموا ... من قولهم ومن الإفك الذي اقترفوا

أنحى على ودجي ابنيّ [١] مرهفة ... مشحوذة وكذاك الإثم يقترف

حتى لقيت رجالا من أرومته ... شمّ الأنوف لهم في قومهم شرف

فالآن ألعن بسرا حقّ لعنته ... هذا لعمر أبي بسر هو السّرف

ولما بلغ عليا قتل الصبيين جزع ودعا على بسر فقال: اللهمّ اسلبه دينه، ولا تخرجه من الدنيا حتى تسلبه عقله؛ فأصابه ذلك وفقد عقله، فكان يهذي بالسيف ويطلبه فيؤتى بسيف من خشب ويجعل بين يديه زقّ منفوخ، فلا يزال يضربه ما شاء حتى مات.

ولما كانت الجماعة واستقرّ الأمر على معاوية دخل عليه عبيد الله بن العباس وعنده بسر بن أرطأة، فقال له عبيد الله: أأنت القاتل للصبيين أيها الشيخ؟

فقال بسر: نعم أنا قاتلهما، فقال له عبيد الله: لوددت أنّ الأرض أنبتتني عندك، فقال له بسر: فقد أنبتتك الآن عندي، فقال عبيد الله: ألا سيف؟

فقال بسر: هاك سيفي، فلما أهوى عبيد الله إلى السيف ليتناوله أخذه معاوية ثم قال لبسر: أخزاك الله شيخا قد كبرت وذهب عقلك، تعمد إلى رجل من بني هاشم قد وترته وقتلت ابنيه تدفع إليه سيفك؟ إنّك لغافل عن قلوب بني هاشم، والله لو تمكّن منه لبدأ بي قبلك. فقال عبيد الله: أجل والله ثم لثنيّت به.


[١] التعازي: شبلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>