يحيى بن زكريا عليهما السلام أهدي رأسه إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل في طست من ذهب، وفيه تسلية لحرّ فاضل يرى الناقص الذي يظفر من الدنيا بالحظّ السنيّ.
«٧٦٩» - قال أبو العتاهية: حبسني الرشيد لما تركت قول الشعر فأدخلت السجن وأغلق الباب عليّ، فدهشت كما يدهش مثلي لتلك الحال، وإذا أنا برجل جالس في جانب الحبس مقيّد، فجعلت أنظر إليه ساعة ثم تمثل:[من الطويل]
تعودّت مسّ الضرّ حتى ألفته ... وأسلمني حسن العزاء إلى الصبر
وصيّرني يأسي من الناس راجيا ... لحسن صنيع الله من حيث لا أدري
فقلت: أعد أعزّك الله هذين البيتين، فقال لي: ويلك يا أبا العتاهية ما أسوأ أدبك، وأقلّ عقلك، دخلت عليّ الحبس فما سلّمت تسليم المسلم على المسلم، ولا سألت مسألة الحرّ للحرّ، ولا توجّعت توجّع المبتلى للمبتلى، حتى إذا سمعت بيتين من الشعر الذي لا فضل فيك غيره لم تصبر عن استعادتهما، ولم تقدّم قبل مسألتهما عذرا لنفسك في طلبهما. فقلت: يا أخي إني دهشت لهذه الحال، فلا تعذلني واعذرني متفضّلا بذلك. فقال: أنا أولى بالدّهش والحيرة منك، لأنك حبست في أن تقول شعرا به ارتفعت وبلغت، فإذا قلت أمنت، وأنا مأخوذ بأن أدلّ على ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليقتل أو أقتل دونه، وو الله لا أدلّ عليه أبدا. والساعة يدعى بي فأقتل، فأيّنا أحقّ بالدّهش؟ فقلت: أنت أولى سلّمك الله وكفاك [١] ، ولو علمت أنّ هذه حالك