للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العرب الحرب، فاستنفر كالفحل بذنبه [١] وتحرّك لأمر ربّه، وضرب بمن أطاع من عصى حتى أعاد الدين جديدا، وأبرم ما انتقض منه، ورأب ما انصدع، وردّ الأمور إلى حقائقها، ثم مضى على صراط سويّ [٢] مستقيم، وأحكام عادلة وسنن هادية. واجتهد لما ذنت منيّته، وناصح نفسه والمسلمين نظرا منه لهم، فبايع عمر [٣] بن الخطاب رحمة الله عليه واستخلفه، فألفيناه والله ماضي العزيمة، صادق النيّة، غير خوّار القناة، ولا قلق الوضين، ولا رخو اللّبب. وكره ذلك رجال شمخوا بأنوفهم، وصغوا بأعناقهم إلى أمر قصروا [٤] عنه وناله، فأرغم معاطسهم، وكعمهم وقمعهم، ووسمهم بالحقّ سمة الرعاء آذان الغنم، فتفاجّت عن خبيئها تفجّي الناقة لدرّة الحلب، حتى إذا نالته يد القضاء وخبطته يد المنية لانقضاء المدة المعلومة والأنفاس المعدودة، أشفق من الاختلاف والفرقة، فجعل الأمر شورى لا يعقد إلّا على إجماع، فمخضوا الآراء مخض الزبدة بالوطاب، وامتطوا [٥] رواحل الفكر خوف الهلكة، وأجالوا الرأي لئلّا يهلك مشاور عن مشورته [٦] ، فلم يروا أحدا أحقّ بالخلافة ولا أقوم بها [٧] من ابن عفان، فقلدوها أسمحهم نفسا، وأفسحهم صدرا، وأطولهم باعا، فمضى يقفو الأثر ويتبع المنهاج على سنة من تقدم [٨] كقدّ الشراك، فلما طال به العمر ونزحت الدار بأنصاره، بادر الأشقياء إلى قتله وقالوا: خصّ أهله، وآثر أصحابه، وزاغ عن الحق إذ لم يكونوا لما أرادوا منه أهلا، بعد اجتماعهم عليه، ومسارعتهم إليه،


[١] م: بدينه.
[٢] م: مستوي.
[٣] م ر: لعمر.
[٤] ب: قصر.
[٥] ب: وأشطوا.
[٦] ر: مشاورته.
[٧] ولا أقوم بها: سقطت من ر.
[٨] ر: تقدمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>