للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعم، كأني بها في ذلك اليوم وعليها برد زبيديّ كثيف الحاشية [١] ، وهي على جمل أورق أربد، وقد أحيط حولها حواء، وبيدها سوط منتشر الضّفر، وهي كالفحل يهدر في شقشقته تقول: يا أيّها الناس، اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم. إنّ الله تعالى قد أوضح الحقّ، وأبان الدليل [٢] ، ونوّر السبيل، ورفع العلم، فلم يدعكم في عمياء مبهمة، ولا سوداء [٣] مدلهمّة، فإلى أين تريدون رحمكم الله؟ أفرارا عن [أمير] المؤمنين أم فرارا من الزحف، أم رغبة عن الإسلام؟ أم ارتدادا عن الحق؟ أما سمعتم الله سبحانه وتعالى يقول: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ

(البقرة: ١٥٥) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ

(محمد: ٣١) ثم رفعت رأسها إلى السماء وهي تقول: اللهمّ قد عيل الصبر، وضعف اليقين، وانتشرت الرعية [٤] ، وبيدك يا ربّ أزمّة القلوب، فاجمع اللهمّ الكلمة على التقوى، وألّف القلوب على الهدى، واردد الحقّ إلى أهله. هلمّوا رحمكم الله إلى الإمام العادل، والوصيّ الوفيّ، والصدّيق الأكبر. إنها إحن بدريّة، وأحقاد جاهلية، وضغائن أحدية، وثب بها معاوية حين الغفلة، ليدرك بها ثارات بني عبد شمس. ثم قالت: فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ

(التوبة: ١٢) صبرا يا معشر المهاجرين والأنصار، قاتلوا على بصيرة من ربّكم وثبات من دينكم، وكأنّي بكم غدا قد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة لا تدري أين يسلك بها من فجاج الأرض، باعوا الآخرة بالدنيا، واشتروا الضلالة بالهدى، وباعوا البصيرة بالعمى عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ

(المؤمنون: ٤٠) حين تحلّ بهم الندامة فيطلبون الإقالة؛ إنه والله من ضلّ عن الحقّ وقع في الباطل، ومن لم يسكن الجنّة نزل النار. أيّها


[١] ر م: الحواشي.
[٢] الوافدات: الباطل.
[٣] الوافدات: عشواء.
[٤] ر: الرغبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>