للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس إنّ الأكياس استقصروا عمر الدنيا فرفضوها، واستبطأوا [١] مدّة الآخرة فسعوا لها. والله أيها الناس لولا أن تبطل الحقوق وتعطّل الحدود، ويظهر الظالمون، وتقوى كلمة الشيطان، لما اخترنا ورود المنايا على خفض العيش وطيبه، فإلى أين تريدون رحمكم الله عن ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وزوج ابنته وأبي ابنيه، خلق من طينته، وتفرّع من نبعته، وخصّه بسرّه، وجعله باب مدينة علمه وعلم المسلمين [٢] ، وأبان ببغضه المنافقين، فلم يزل كذلك يؤيّده الله تعالى بمعونته، ويمضي على سنن استقامته. هو مفلّق الهام، ومكسّر الأصنام، صلّى والناس مشركون، وأطاع والناس مرتابون، فلم يزل كذلك حتى قتل مبارزي بدر، وأفنى أهل أحد، وفرّق جمع هوازن، فيا لها من وقائع زرعت في قلوب قوم نفاقا، وردّة وشقاقا. قد أجهدت [٣] في القول، وبالغت في النصيحة، وبالله التوفيق، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

فقال معاوية: والله يا أمّ الخير ما أردت بهذا الكلام [٤] إلّا قتلي، وو الله لو قتلتك ما حرجت في ذلك، قالت: والله ما يسوءني [٥] يا ابن هند أن يجري الله تعالى ذلك على يدي من يسعدني الله تعالى بشقائه. قال: هيهات يا كثيرة الفضول. ما تقولين في عثمان بن عفان؟ قالت: وما عسيت أن أقول فيه؟

استخلفه الناس وهم كارهون، وقتلوه وهم راضون [٦] ، فقال معاوية: إيها أمّ الخير، هذا والله أصلك الذي تبنين عليه. قالت لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ، أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً

(النساء: ١٦٦) ما


[١] الوافدات: واستطالوا.
[٢] الوافدات: وعم بحبه المسلمين.
[٣] الوافدات: اجتهدت.
[٤] م: القول.
[٥] ر: يسوءني ذلك.
[٦] في ر عكس القول وشطب كلمتي: كارهون، راضون، وجعل الواحدة مكان الأخرى (بخط مختلف) .

<<  <  ج: ص:  >  >>