للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم والصحبة، وموجب لاستكمال الالفة بينهم والمحبة.

ولما كانت الجوارح المثمنة لكلّ الناس غير ممكنة، بل لمن جلّ منهم قدره، وعلا فيهم خطره، وعظم شأنه وحاله، وجمّ وفره وماله، جعلت القول مقصورا على قسيّ البندق التي لا تتعذر على مكثر ولا مملق، ولا تضيق على اتّخاذها يد موسر ولا معسر، ولو لم أفعل ذلك لبلغ الأسف من العادم الفاقد، أكثر من الجذل من القادر الواجد. لكنني اعتمدت الذي يتوافق في استطاعته الأدنى والأشرف، ويتلاحق في التمكن منه الأقوى والأضعف، فأنا أكتفي في ترغيب من كان عنه منحرفا، وتثبيت من كان إليه متشوّفا، بوصف موقف منه شهدته، ومنظر استحسنته، في بعض ظواهر مدينة السلام:

هناك غيضة ذات ماء صاف أزرق، وشجر مرجحنّ مورق، فبينا أنا ماثل فيها، متنزّه في نواحيها، وقد تضوّعت بالأرج أرجاؤها، وتأوّدت في حلل الورد شجراؤها، وتفاوحت بفوائح [١] المسك أنوارها، وتفاوضت بغرائب النطق أطيارها، إذ أقبلت رفقة من الرماة قد برزت قبل الذّرور للشروق، وشمّرت عن الأذرع والسّوق، متقلدين خرائط شاكلت السيوف بحمائلها ونياطاتها، وناسبتها في آثارها ونكاياتها، تحمل من البندق الملموم، ما هو في الصحّة والاستدارة كاللؤلؤ المنظوم، كأنما خرط بالجهر، فجاء كبنات الفهر، قد اختير طينه، وملك عجينه، فهو كالكافور المصّاعد [٢] في الملمس والمنظر، وكالعنبر الأذفر إلا في المشمّ والمخبر، مأخوذ من خير مواطنه، مجلوب من أطيب معادنه، كافل بمطاعم حامليه، محقّق لآمال آمليه، ضامن لحمام الحمام، متناول لها من أبعد مرام، يعوج [٣] إليها وهو سمّ ناقع، ويهبط بها وهي رزق نافع. وبأيديهم قسيّ مكسوّة بأغشية السندس، مشتملة منها بأفخر ملبس، مثل الكماة في


[١] ر: بروائح.
[٢] ر: المصعد.
[٣] ر: يعرج.

<<  <  ج: ص:  >  >>