للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جواشنها ودروعها، والجياد في جلالها وقطوعها؛ حتى إذا جرّدت من تلك المطارف، وانتضيت من تلك الملاحف، رأيت منها قدودا مخطفة رشيقة، وألوانا معجبة أنيقة، صليبة المكاسر والمعاجم، نجيبة المنابت والمناجم، خطّية الانتماء والمناسب، سمهريّة الاعتزاء والمناصب، تركبت من شظايا الرماح الداعسة، وقرون الأوعال الناخسة، فحازت الشرف من طرفيها، واحتوت عليه بكلتا يديها، قد تحنّت تحنّي المشيخة النسّاك، وصالت صيال الفتية الفتّاك، واستبدلت من قديمها في هزّ الفوارس، بحديثها في قبض المعاجس، وانتقلت عن جدها في طرد الغارات، إلى هزلها في طرد المتنزّهات. ظواهرها صفر وارسة، ودواخلها سود دامسة، كأنّ شمس أصيل طلعت على متونها، أو جنح ليل اعتكر في بطونها، أو زعفرانا جرى فوق مناكبها، أو غالية جمدت على ترائبها، أو هي قضبان فضة أذهب شطرها وأحرق شطر، أو حيات رمل اعتنق السود منها والصّفر. فلما توسّطوا تلك الروضة، وانتشروا على أكناف تلك الغيضة، وثبتت للرمي أقدامهم، وشخصت إلى الطير أبصارهم، وتّروها بكلّ وتر فوق سهمه منه، ومفارق للسّهم وخارج عنه، مضاعف عليها من وترين، كأنه برد ذو جسدين، أو عناق ضمّ ضجيعين، في وسطه عين كشريحة كيس مختوم، أو سرّة بطن خميص مهضوم، محوّلة عن المحاذاة، مزورّة عن الموازاة، كأنها متخازر ينظر شزرا، أو مصغ يسّمّع رزّا، تروع قلوب الطير بالإنباض، وتصيب منهم مواقع الأعراض. فلم يزل القوم يرمون ويصيبون، وينجحون ولا يخيبون، حتى خلت من البندق خرائطهم، وامتلأت بالصيد حقائبهم. فكم من أفرخ زغب أيتموها فضاعت، ومن آباء لها وأمّهات استجابوها فأطاعت، قد انقادت نوافرها صعرا، واقتسرت أوايبها قسرا، وكسرت أجنحتها وجآجيها، واستطارت في الجوّ قوادمها وخوافيها، فأصبحت بين عاثر لا ينهض من عثاره، ومهيض لا يطمع في انجباره، يداوى جريحها بالإجهاز، ويتلافى عقيرها بالتذكية والإنجاز، تعاجل قبل فناء ذمائها، ويصير ريشها كالمجاسد من

<<  <  ج: ص:  >  >>