للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجدت في سفري هذا- أيد الله الأمير عزّ الدولة- فضلا في زماني عن المهمات، يستروح [١] النفوس إلى توفيره على المحبوبات، فاعتمدت منها التصيّد تأدبا بأدبه- أطال الله بقاءه- في الولوع به، واعتمادا لعائدته على من يحضرني من أوليائه وعبيده، في قوّة أبدانهم ونشاطها، ورياضة خيلهم وانبساطها، واعتيادهم طراد ما يسنح ويعنّ، واستثارة ما يستكنّ ويستجنّ، وإغرائهم بطلب ما يحاولونه، وإضرابهم عن الفتك بمن يساورونه، إذ كان هذا الأمر مثالا يحتذى في مطاعنة الفرسان، ومنهجا يقتفى في مطاردة الأقران. واتفق لي من السرور لذلك يوم غاب نحسه وهوى، وطلع سعده واعتلى، وصدّق الله أيامنه وسوانحه، وأكذب أشائمه وبوارحه، بما رزقناه من اجتماع الصيد ووفوره، وكثرته وجمومه [٢] ، وسهّله لنا من إدراك ما طلبناه منه وأرغناه، والوصول إلى ما اعتمدناه وانتحيناه، بظلّ مولانا الأمير عزّ الدولة- أدام الله عزه الممدود علينا- وبركة اسمه الذي به استنجحنا والزمان ساقطة جماره [٣] ، مفعمة أنهاره، مورقة أشجاره، مغرّدة أطياره، ونحن غبّ سماء أقلع بعد الارتواء، وأقشع عند الاستغناء، والبقل خضل ممطور، والنقع ساكن محصور، والرياض كالعرائس في وشيها ومطارفها، متجلية في خلعها وملابسها، متبرّجة في حللها ومجاسدها، باسطة زرابيّها وأنماطها، ناشرة حبراتها ورياطها، زاهية بحمرائها وصفرائها، تائهة بعوانها وعذرائها، كأنما عارضت [٤] عصبا، أو فاخرت صحبا، أو احتفلت لوفد، أو هي من حبيب على وعد، تتبارى طيبا وحسنا، وتتفاوح أرجا وعرفا، فما نرد منها حديقة إلا استوقفتنا بهجتها ونضارتها، واستنزلتنا جدّتها وغضارتها، وخيلنا كالأمواج المتدفّقة، والأطواد الموثقة، متشوفة عاطية،


[١] ر: تستروح.
[٢] ر: وجموعه.
[٣] ر: حمارّه.
[٤] ر: عرضت.

<<  <  ج: ص:  >  >>