مستبقة جارية، تشتاق إلى الصيد وهي لا تطعمه، وتحنّ إليه كأنّه قضيم تقضمه، وعلى أيدينا جوارح مؤلّلة المخالب والمناسر، ومذرّبة النّصال والخناجر، طامحة الألحاظ والمناظر، بعيدة المرامي والمطارح، ذكيّة القلوب والنفوس، قليلة القطوب والعبوس، ذات قوادم كثّة أثيثة، وخواف وحفة أثيرة، سابغة الأذناب، كريمة الأنساب، صليبة الأعواد، قويمة الأوصال، تزيد إذا ألحمت شرها وقرما، وتضّاعف إذا شبعت كلبا ونهما. فبينا نحن سائرون، وفي الطلب ممعنون، إذ وردنا ماء زرقا جمامه، طامية أرجاؤه، يبوح بأسراره صفاؤه، وتلوح في قراره حصباؤه، وأفانين الطير به محدقة، وغرائبه عليه واقعة، متغايرة الألوان والصفات، مختلفة اللغات والأصوات، فمن بين صريح خلص وتهذّب نوعه، ومن مشوب تهجّن أو أقرف عرقه. فلما أوفينا عليها، أرسلنا الجوارح إليها، كأنها رسل المنايا، أو سهام القضايا، فلم تسمع إلّا مسمّيا، ولم تر إلّا مذكّيا. ثم عدنا لشأننا دفعات، وأطلقنا مرات، حتى ازددنا واستكثرنا، وانتهينا واكتفينا، وانطلقنا بعد ذلك نعتام ونتخيّر، ونقترح ونتحكّم. فكان الدرّاج أطرف مطلوباتنا، وأنظف مأكولاتنا، فاستثرناه عن مجاثمه، وانتزعناه من مكامنه، واختطفنا ببزاتنا ما طار منه وانتشر، وبعثنا بوازجنا على ما تبنّج واستتر، فاهتدت إليها كالودائع المستودعة، وأظهرتها كالكنوز المستخرجة، تستدلّ عليها بالشميم، وتستنبطها بالنسيم. فلم يفتنا ما برز، ولا سلم منا ما احتجز.
ثم عدلنا- أيّد الله الأمير- عن مطارح الحمام، إلى مسارح الآرام، نستقري ملاعبها، ونؤمّ مجامعها، لا نألو بحثا وفحصا، ولا نفتر اجتهادا وحرصا، وأمامنا أدلّة فرهة يهدون، وروّاد مهرة يرشدون، حتى أفضينا إلى أسراب كثيرة العدد، متصلة المدد، لاهية بأطلائها، راتعة في أكلائها، غارّة بما أحاط بها، ذاهلة عما أعدّ لها؛ ومعنا فهود أخطف من البروق، وأثقف من الليوث، وأجدى من الغيوث، وأمكن من الثعالب، وأنزى من الجنادب، وأدبّ من