للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقارب، خمص الخصور، قبّ البطون، رقش المتون، حمر الآماق، خزر الحداق، هرت الأشداق، عراض الجباه، غلب الرقاب، كاشرة عن أنياب كالحراب، تلحظ الظباء من أبعد غاياتها، وتعرف حسّها من اقصى نهاياتها، تتبع مرابضها وآثارها، وتنسّم روائحها وأنشارها. فأقبلنا من تجاه الريح إليها وأغذذنا السير نحوها، ثم دببنا لها الضّراء، وشننّا عليها الغارة الشعواء، وأرسلنا [١] فهودنا إليها، فانقضّت كالشهب عليها، جائلة في أدمها وعفرها، صائلة بعترها وشصرها [٢] . وجرت خيلنا في آثارها، كاسعة لأدبارها، فألقينا كلّا منها على ظبي قد افترسه وافترشه، وصرعه وجعجعه، فصانعناها بالدماء فقنعت وولغت، واستنزلناها عن الظباء فسامحت ونزلت. وأوغلنا من بعد في اللحاق بما شذّ وشرد، وقصّ أثر ما ندّ وبعد؛ قد انتهت النوبة إلى الكلاب والصقور، وفي صحبتنا منها كلّ كلب عريق المناسب، نجيح المكاسب، حلو الشمائل، نجيب المخايل، حديد الناظرين، أغضف الأذنين، أسيل الخدين، مخطف الجنبين، عريض الزّور، متين الظهر، أبيّ النفس، ملهب الشدّ، لا يمسّ الأرض إلا تحليلا وإيماء، ولا يطأها إلا إشارة وإيحاء؛ وكلّ صقر عميم الجسم، مصمت العظم، ماض كالحسام، قاض كالحمام، كثير التلفّت، طويل التلهف، متيقّظ في نواظره، مشتطّ في مطالبه، خفيف النهضة إلى ما يريد، ثقيل الوطأة على ما يصيد. فما لبثنا أن أشرفنا على يعافير متطرّفة، ويحامير متعزّبة، فخرطنا القلائد والشّباقات، فمرّت مترافقات متوافقات، قد تباينت في الصور والأجناس، وتألّفت في الارتياد والالتماس، فسبقت الصقور إليها ضاربة وجوهها، ناكسة رؤوسها، ولحقت الكلاب بها منشبة فيها، مدمّية لها. وبادرناها مجهزين، وغنمناها فائزين. واعترضنا في المرجع- أيد الله الأمير- عانة من حمير، لم نحتسبها ولم نطمع في الوقوع على مثلها، فثاورها سرعان خيلنا، وخالطها فتّاك


[١] ر: بعنزها.
[٢] الشصر: الظبي بلغ أن ينطح.

<<  <  ج: ص:  >  >>