فرّقهم، يوم يعيد الله العالمين خلقا جديدا، ويجعل الظالمين لنار جهنّم وقودا، يوم تكونون شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً
(آل عمران: ٣٠) . جعلنا الله وإيّاكم ممّن قدر قدره، فقبل أمره، وأدام في الخلوات ذكره، وجعل تقوى عالم الخفيّات ذخره، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.
سمعت هذه الخطبة على الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن نبهان الغنوي الرقّي مع غيرها من خطب ابن نباتة، وما رأيت مخبرا أعرف منه بما يقرأ عليه، كان يحفظ خطب ابن نباتة كأنما يقرأها من كفّه، ويردّ على القارىء من حفظه ولفظه.
وحدثنا من فيه قال: أخبرنا الشيخ الخطيب أبو القاسم يحيى بن طاهر بن محمد بن عبد الرحيم، قال: أخبرنا أبي طاهر عن أبيه محمد عن أبيه عبد الرحيم ابن محمد بن إسماعيل الفارقي، قال «١» : لما عملت هذه الخطبة وخطبت بها يوم جمعة، بتّ ليلة السبت فرأيت فيما يرى النائم كأنّي بظاهر مدينة ميافارقين عند الجبّانة، ورأيت بين المقابر جمعا كثيرا، فقلت: ما هذا الجمع؟ فقال لي قائل:
هذا النبيّ صلّى الله عليه وسلم ومعه الصحابة، فقصدته لأسلّم عليه، فلما قربت منه التفت فرآني فقال: أهلا ومرحبا يا خطيب الخطباء، كيف تقول- وأومأ إلى القبور- فقلت كأنهم لم يكونوا للعيون قرّة، ولم يعدّوا في الأحياء مرة، أسكتهم والله الذي أنطقهم، وأبادهم الذي خلقهم، وسيجدّهم كما أخلقهم، ويجمعهم كما فرّقهم، يوم يعيد الله العالمين خلقا جديدا، ويجعل الظالمين لنار جهنّم وقودا، يوم تكونون شهداء على الناس- وأومأت إلى الصحابة، وأومأت إلى النبي صلّى الله عليه وسلم- ويكون الرسول عليكم شهيدا يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً