. قال: فقال لي النبي صلّى الله عليه وسلم: احسنت لا فضّ الله فاك، ادنه ادنه، قال: فدنوت منه فأخذ وجهي فقبّله وتفل في فيّ وقال: وفقك الله. فانتبهت من النوم وبي من السرور ما يجلّ عن الوصف، وأخبرت أهلي بما رأيت، وبقيت بعد هذا المنام لا أطعم الطعام ولا أشتهيه، وكان يوجد في فمي مثل رائحة المسك.
قال شيخنا أبو القاسم رحمة الله عليه: ولم يبق بعد هذا المنام إلّا قليلا «١» حتى توفي- رحمة الله عليه- وله دون الأربعين سنة.
٦٦٦- ومن خطبة:
الحمد لله ناقض عزائم المخلوقين بإبرام عزمه، وقابض خزائم أنفس الآبقين لإلزام حكمه، وحالّ عقد الشبهات عن بصائر أهل ودّه، وفالّ عدد ذوي الرغبات عن محجّة قصده، أحمده حمدا يستوجبه فضله، وأعلم أنّ اختلاف مقاديره عدله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أجدّد بها في مقام مقالا، وأمجّد بها ذا الجلال والإكرام تعالى، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، أرسله والحقّ خافية صواه، واهية قواه، حلّ حرمه، فلّ عصمه، طامسة أعلامه، دارسة أحكامه، منكورة أيامه، مبتورة أوذامه، فأقدم صلّى الله عليه وسلم على إظهاره ونصرته، وأعلم في أنصاره وأسرته، وناصح لله في تشييد ملّته، وكافح أعداءه على الإقرار بوحدانيّته، حتى دكّ رعان البهتان فأصحرها، وفكّ أركان الطغيان فدمّرها، وأطلع شمس اليقين وندب إليها، وشرع شرائع الدّين فأوضحها لديها، صلّى الله عليه وعلى آله صلاة تسوق ثوابه بين يديها، وتؤمّن عقابه من أمّن من العالمين عليها.
أيها الناس، أسيموا القلوب في رياض الحكم، وأديموا النحيب على ابيضاض اللّمم، وأطيلوا الاعتبار بانتقاض النّعم، واجتلوا الأفكار في انقراض الأمم،