الذين كانوا من قبلكم في الأرض قاطنين، وعلى مهاد الخفض مستوطنين، وبعهود الأيّام واثقين، وإلى غايات الأماني سابقين، ممّن تبوّأ عرعرة دهر أصبحتم بحضيضه، وتملّى صفو زمان جاد عليكم بقروضه، حتى إذا استحكمت فيهم طماعية التخليد، واستولت عليهم رفاهية التمهيد، وقادوا الخليقة بأزمّة الرّغب والرّهب، وسارت بهم الدنيا مسير التقريب والخبب، وعموا عن مناصب أشراك جدّها في مراعي اللّعب، ولهوا عما يدلّ عليه الاعتبار فيها من سوء المنقلب، رغا في وسط ديارهم سقب العطب، وأعدى فيهم الهلاك إعداء الجرب، وأوقعت بهم المنون إيقاع الغضب، وأدّت إليكم الأيام من أخبارهم أنواع العجب، سحبت عليهم الهوج أذيال نقائمها، وحلبت عليهم المنون سجال غمائمها، فأضحوا رهائن أجداث موصدة، وودائع قبور ملحدة، ذهبوا والله فلم يرجعوا، وندبوا فلم يسمعوا، وأزعجوا فلم يمنعوا، واستضيموا فلم يدفعوا، أتراهم رضوا بدار الغربة دارا، أم آثروا قرار الوحشة قرارا؟ لا والله ما اختاروا فرقة الأحباب، والكون تحت أطباق التراب، ولكن صال عليهم القضاء فأطرقوا، وطال عليهم العفاء فأخلقوا، واتفقت عليهم الحادثات فتفرقوا، وأعنقت إليهم المثلات فتمزّقوا، فليت شعري ماذا قيل لهم وماذا لقوا؟ أسعدوا بمكتسبهم في الآخرة أم شقوا؟ فهلمّ عباد الله إلى محاسبة النفوس، قبل مواثبة النّحوس، ومقارنة الرّموس، ومعاينة اليوم العبوس، يوم غضّ الرؤوس، وفضّ الطّروس، والفحص عن المحسوس والملموس، بين يدي الملك القدّوس يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ، وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا