للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمرنا به، إنّ أولى ما اهتديتم بإرشاده، وأحقّ ما صدّقتم بوعده وإيعاده، كلام من جعلكم من خير عباده، ويقرأ فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ ...

الآية.

٦٦٧- خطبة له أخرى يذكر فيها الشيب:

الحمد لله المدرك المقيت، المهلك المفيت، المنشر المميت، مالك أزمّة الجمع والتشتيت، الذي فات حدود الأوصاف والنعوت، واحتجب عن الأبصار بعزّ الملكوت، سبحانه له الخلق خضوع قنوت، وهو الواحد الحيّ الذي لا يموت، أحمده حمدا يمري سبل عهاد رزقه، ويوري شعل زناد الشكر في خلقه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة كرّ على اللسان لفظها، وقرّ في مقرّ الجنان حفظها، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، أرسله بوجه طلق، ولسان ذلق، وشرع صدق، ودين حقّ، فصدّ عن سبيل الهلكة، وأمدّ باليمن والبركة، حتى صارت الكلمة سددا، والأمّة في الحقّ شرعا أحدا، صلّى الله عليه وعلى آله صلاة لا تنقطع عددا، ولا تنقضي أبدا. أيها الناس، إنّ ضياء نهار المشيب في إظلام ليل اللّحى والرؤوس، حقّق عند الفطن اللبيب قرب انهدام القوى واخترام النفوس، ذلك صباح ما بعده ليل ينتظر، واجتياح لا ملجأ منه ولا وزر، وضيف على رغم المضيف واغل، وسيف لموصول الحياة فاصل، ونور طالع بأفول النسم، ومنشور بالاشخاص إلى محلّ الرّمم، فلا تحرقوا- رحمكم الله- نور مشيبكم بنار ذنوبكم، وارمقوا غير الحوادث بأبصار قلوبكم، تركم ما خفي عنكم من عيوبكم، فكما حلّ بكم من المشيب ما تكرهون، فكذلك يحلّ بكم الموت، أفلا تنتهون؟! ألا وإنّ الشيب ثغر الحياة الذي لا يمكن سداده، وكسر القناة الذي لا يصلح الدّهر فساده. فيا معشر الشيوخ هل بعد ابيضاض الزرع إلا حصاده؟ ويا معشر الكهول ما تنصّف من الثمار آن جداده، ويا معشر الشباب كم من زرع أباده قبل البلوغ قمله وجراده، إن هي إلا ترجمة الأحداث عن حتم الفناء، آثارها في الأجسام آثار الهدم في البناء. فما بقاء من صحّته في دنياه سقمه، وغنيمته من الحياة غرمه، ومقامه فيها سفر، وأيامه بتقلّبها عبر، تريه إعطاء ما تسلبه، وبناء ما تخرّبه،

<<  <  ج: ص:  >  >>