للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعيدا ما تقرّبه، وعتيدا ما تجنّبه. فيا عجبا لمأمور بالتزوّد قد حان سفره، وأقام من تقدّمه عليه ينتظره، وهو خليّ من التأهّب لرحلة تذكّره، مع صحّة علمه أنّ المنيّة لا تؤخّره. فرحم الله امرءا أهمّه «١» معاده، وتقدّمه زاده، وكان إلى التقوى انقياده، ولهواه جهاده، قبل إخلاق الجدّة، وإنفاق المدّة، وانهدام العدّة، واقتحام الشدّة، قبل هطلان الرّحضاء، وبطلان الأعضاء، وضيق رحب الفضاء، وحيرة الفتور والإغضاء، لورود حتم القضاء، هنالك صالت «٢» عليك بسطوتها شعوب، وحالت عن سجيّتها اللعوب، ورقّت لكرب سياقك القلوب، وشقّت على قرب فراقك الجيوب، وطلعت سافرة عن صفحتها المخدّرة العروب، إذ حان منك في ظلمات التّراب غروب. فأنيبوا أيها الغافلون إذ كنتم موقنين أنّكم صائرون إلى هذا المصير، وأذيبوا جامد الدموع بنيران الزّفير، وأطيبوا التزوّد لوشك المسير، واستجيبوا لربّكم من قبل أن يأتي يوم لا مردّ له من الله، ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير. جعلنا الله وإياكم ممّن أدّبته العبر، وهذّبته الفكر، فأملت عليه غرر الأمور أنباء عواقبها، وتجلّت له ستر المحذور عن لألاء قواضبها، فاستعظم في بقية عمره ادّخار الحسنات، واستعصم بهضبة الحقّ من شرّ ما هو آت. إنّ أحسن نظم اللاقط ونثره، وأبلغ وعظ الواعظ وزجره، كلام من تطمئنّ القلوب بذكره.

ويقرأ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ

(النحل: ٧٠) .

[٦٦٨]- ومن خطبة لقطريّ بن الفجاءة المازني الخارجي:


[٦٦٨] لقطري خطبة في البيان والتبيين ٢: ١٢٦ والعقد ٤: ١٤١ وبعضها في عيون الأخبار ٢:
٢٥٠ ونهاية الأرب ٧: ٢٥٠ وصبح الأعشى ١: ٢٢٣ وجمهرة الخطب ٢: ٤٥٤ ولكن المشابه بينها وبين الخطبة التي أثبتها صاحب التذكرة ضئيلة، وإن كانت الخطبتان في ذمّ الدنيا.

<<  <  ج: ص:  >  >>