للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يزل الله منذ اضطرب حبل المملكة، وظهر «١» أعداء الدّولة، يصرّف مشيئته، وينقل إرادته، مختارا لموضع إمامته «٢» ، ومرتادا لمحلّ خلافته، وإن كان قد تقدّم علمه بمواقع الاختيار، لكنه جلّ جلاله تجري عادته في الأناة تأديبا للخليقة، وزجرا لذوي العجلة عن تورّد الأمور المشكلة، وتقحّم أثباجها قبل إعمال الرّويّة، حتى وقف اصطفاءه وقصر اجتباءه على أمير المؤمنين، فأقرّها منه في موطنها، وثبّتها في معدنها؛ ووجده لمّا اصطفاه بها ناهضا، وفيها قائما بحقّها، راتقا لفتقها، صادفا عن الدّنيا ورائعات زبرجها، ومونقات زخرفها، لا تثنيه دواعي لذاتها «٣» ، ولا تطّبيه عوارض شهواتها، عن طلب ما عند الله، وابتغاء الزلفة بين يديه، والقربة إليه، في عمارة الدّين، وحياطة المسلمين، وإقامة معالم الحقّ، وإحياء سنن العدل، طاويا كشحه على صفاء نيّته، ونقاء سريرته، وصارفا همّه إلى ما فيه المزيّة والمعدلة في البريّة، وساميا بهمّته إلى تأييد المملكة وتأكيد «٤» أسبابها، وتعديل أحوالها، بعد مشارفتها الإصفار من بهجتها، والإخفاق من زينتها، والإخلاق من جديدها، والتشعّث من نضرتها، حتى استقامت على أفضل سبلها، وخلصت من شوائب الآفات المكتنفة لها، وثاب إلى الدّين عزّه، وإلى الإسلام نوره، واستودعت الأمانة من أدّاها، وسيقت الإيالة إلى من يقوم بحكم الله فيها، وحاط من الزّيغ حواشيها، ونهد للأعداء الممتدّة أعناقهم، المنطلقة أطماعهم، برأي يفلّ السّيف الحسام، وعزم يكلّ الجحفل اللهام، فثنى من غربهم، وهوّن من خطبهم، وأصبح بنعمة من الله لزمانه قريعا، وللخلق غياثا وربيعا، وللمسلمين وزرا وحصنا منيعا، وقام فيما ناطه الله به، وطوّقه إيّاه، مقام السالفين من آبائه الطاهرين،

<<  <  ج: ص:  >  >>