أعذر إليك من ألقى سلاحه، وغضّ جماحه، ومن أدبر بعد إقباله، عدل عن قتاله:[من الكامل]
والحقّ أبلج لا يخيل سبيله ... والحقّ يعرفه ذوو الألباب
والآن فقد فازت قداحك، وبانت غررك وأوضاحك، وأجدت المصال، وأدركت الخصال، فأوضح لنا عما سألت، وأرشدنا إلى ما دللت لئلا يقال: هذا بهت، ومحال بحت. فقلت: حبّا وكرامة، اسمع أنت يا طغامة: إنّ الفعل من فاعله، كالوليد من ناجله، لا يخلو الفعل من علامة فاعل، في لفظ كلّ قائل، وهي الفتح من ماضيه وواقعه، والزوائد في مستقبله ومضارعه، وبيان ذلك أنّ الفتحة من ماضيه «١» لا تكون مع التاء والنون، فنقول: اخرج فتثبت الفتحة، ثم تقول أخرجت وأخرجننا فيسقط ما ذكرنا، وعلامتان لمعنى محال، لا يوجبهما الحال، فإن كانت النون التي مع الألف ضمير المفعول، عادت الفتحة فتقول: أخرجنا الأمير، فهذا بيّن منير. فصفقت الجماعة وشمّخت، وحسّنت وبخبخت، وجعل الأديب يضطرب اضطراب العصفور، ويتقلب تقلب المصغور، متيقنا أنّ أسده صار جرذا، وأنّ بازيه صار صردا، ودرّه انقلبت مخشلبا، وزيتونه تحوّل غربا، وقناه تغيّر قصبا، وأنّ مستقيمه تعوّج، وجيده تبهرج، وصحيحه تدحرج، وحديده تكرّج، فقال منشدهم:[من الوافر]
ترى الرجل النحيف فتزدريه ... وتحت ثيابه أسد مزير
ويعجبك الطرير فتبتليه ... فيخلف ظنّك الرجل الطرير
فما عظم الرّجال لهم بفخر ... ولكن فخرهم كرم وخير
فأخذه الإبلاس، وضاقت به الأنفاس، وسكنت منه الحواسّ، ورفضه الناس، وجعل ينكت الأرض، ويواصل لكفّه العضّ، ويتشاءم بيومه، ويعود على نفسه