الحقّ أبلج لا تخيل سبيله ... والحقّ يعرفه ذوو الألباب
«١٠٠٣» - حجّ سليمان بن عبد الملك ومعه الشعراء، فمرّ بالمدينة منصرفا، فأتي بأسراء من الروم نحو من أربعمائة اسير. فقعد سليمان وعنده عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن علي عليهم السلام، وعليه ثوبان ممصّران، وهو أقربهم منه مجلسا، فأدنوا إليه بطريقهم وهو في جامعة، فقال لعبد الله بن الحسن: ثم فاضرب عنقه! فقام فما أعطاه أحد سيفا حتى دفع إليه حرسيّ سيفا كليلا، فضربه فأبان عنقه وذراعه وأطنّ ساعده وبعض الغلّ، فقال له سليمان: اجلس، فو الله ما ضربته بسيفك ولكن بحسبك، وجعل يدفع الأسراء إلى الوجوه فيقتلونهم، حتى دفع إلى جرير رجلا، فدسّت إليه بنو عبس سيفا قاطعا في قراب أبيض، فضربه فأبان رأسه؛ فدفع إلى الفرزدق أسيرا، فدسّت إليه القيسيّة سيفا كليلا، وقيل بل دفع إليه سليمان سيفا وقال: اقتله به، فقال: لا، أضربه بسيف مجاشع، واخترط سيفه فضربه فلم يغن شيئا، فقال له سليمان أم والله لقد بقي عليك عارها وشنارها، فقال جرير قصيدة يهجوه فيها، منها في المعنى:[من الطويل]
بسيف أبي رغوان سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم
ضربت به عند الإمام فأرعشت ... يداك وقالوا محدث غير صارم
وقيل: إن الفرزدق قال لسليمان: يا أمير المؤمنين هب لي هذا الأسير، فوهبه له، فأعتقه وقال:[من الطويل]
فهل ضربة الروميّ جاعلة لكم ... أبا عن كليب أو أبا مثل دارم
كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها ... وتقطع أحيانا مناط التّمائم
ولا نقتل الأسرى ولكن نفكّهم ... إذا أثقل الأعناق حمل المغارم
وروي أنه سبق جريرا إلى البيتين الأوّلين المذكورين، وقال: كأني بابن