كانوا وقوفا على رأسي. فقلت في نفسي هذا جبّار عنيد، فإن امتنع عليّ من الشخوص فأنا ومن معي هالكون.
فجزعت ولا سبيل إلى إعلام أمير البلد، وإلى أن يلحقني أمير البلد لا أملك لنفسي دفع ضرر يريده بي، وذاك أني استربت باستخفافه بي، وتهاونه ودعائه لي باسمي، ولا يفكر في امتناعي من الأكل، ولا يسأل عما جئت له، بل أكل مطمئنا. وأنا أفكر في ذلك إذ فرغ من طعامه وغسل يده، ودعا ببخور فتبخّر، وقام إلى الصلاة فصلّى وطوّل، وأكثر من الدعاء والابتهال، ورأيت صلاته حسنة، فلما انفتل من المحراب أقبل عليّ وقال: ما أقدمك يا منارة؟ قلت: أمر لك من أمير المؤمنين. فأخرجت الكتاب ودفعته إليه ففضّه وقرأه، فلما استتم قراءته دعا أولاده وحاشيته، فاجتمع منهم خلق كثير، فلم أشكّ إلا أنه يريد أن يوقع بي، فلما تكاملوا ابتدأ فحلف أيمانا مغلظة، فيها الطلاق والحج والصدقة والوقف والحبس، إن اجتمع منهم اثنان في موضع واحد إلى أن ينكشف له أمر يعمل عليه. وقال: هذا كتاب أمير المؤمنين يأمرني بالمصير إلى بابه، ولست أقيم بعد هذا ولا لحظة واحدة لأنظر في أمري مسارعة إلى أمره؛ فاستوصوا بمن ورائي من الحرم، وما بي حاجة إلى أن يصحبني غلام. هات أقيادك يا منارة.
فدعوت بها وكانت في سفط، وأحضرت حدادا ومدّ ساقيه فقيدته، وأمرت غلماني حتى حصل في المحمل، وركبت في الشقّ الآخر، وسرت من وقتي لم ألق أمير البلد ولا غيره، وسرت بالرجل ليس معه أحد إلى أن صرنا بظاهر دمشق، فابتدأ يحدثني بانبساط حتى انتهينا إلى بستان حسن بالغوطة. فقال لي: أترى هذا؟ قلت: نعم، قال: إنه لي، وفيه من غرائب الأشجار كيت وكيت، ثم انتهى إلى آخر فيه مثل ذلك، ثم انتهينا إلى قرى حسان سرية، فأقبل يقول: هذا لي، ويصف كل شيء من ذلك. فاشتدّ غيظي منه فقلت له: علمت أني شديد التعجب، قال: ولم تعجب؟ قلت: ألست تعلم أن أمير المؤمنين قد أهمّه أمرك حتى أرسل إليك من انتزعك من بين أهلك وولدك ومالك، وأخرجك عن جميع