ليس إلى ذلك سبيل، قال: فدعني أكاتبه. قال: ولا إلى هذا. فما تركه يبرح من موضعه حتى وقع باطلاق الكل. فصار إيتاخ إلينا ونحن في الحبس آيس ما كنا من الفرج، وقد بلغنا اشتداد علّة الواثق، وأرجف لابنه بالخلافة، وكان صبيا.
فخفنا أن يتم ذلك، فيجعل ابن الزيات الصبيّ شيخا ويتولّى التدبير فيتلفنا. وقد امتنعنا لفرط الغمّ والهمّ من الأكل والشرب. فلما دخل ايتاخ لم نشكّ أنه دخل إلا لبلية، فأطلقنا وعرّفنا الصورة. فدعونا الله لابن أبي دواد والخليفة، وانصرفنا إلى منازلنا. فجلسنا لحظة ثم خرجنا فوقفنا لابن أبي دواد [١] فحين رأيناه ترجلنا له ودعونا له وشكرناه، فأكبر ذلك ومنعنا من الترجل فلم نمتنع، ووقف حتى ركبنا وسايرناه. فأخذ يخبرنا الخبر حتى زدنا في الشكر، وهو يستقصر ما فعله ويقول: هذا أقلّ حقوقكم عليّ، وكان الذي لقيه أنا وأحمد بن الخصيب، وقال: وستعلمان ما أفعله مستأنفا.
ورجع ابن أبي دواد إلى دار الخليفة عشاء فقال له الواثق: قد تبركت برأيك يا أبا عبد الله، ووجدت خفّا من العلة، ونشطت وأكلت خمسة دراهم خبزا بصدر درّاج. فقال له: يا أمير المؤمنين، تلك الأيدي التي كانت ترتفع بالدعاء عليك صارت ترتفع بالدعاء لك غدوة وعشية، ويدعو لك بسببهم خلق كثير من رعيتك، إلا أنهم قد صاروا إلى دور خراب وأحوال قبيحة، بلا فرش ولا كسوة ولا دواب ولا ضياع، موتى جوعا وهزالا، قال: فما ترى؟ قال: يا أمير المؤمنين، في الخزائن والاصطبلات بقايا ما أخذ منهم، فلو أمرت بأن ينظر في ذلك، فكل من وجد له شيء باق من هذا ردّ عليه، وأطلقت عن ضياعهم، فعاشوا وخفّ الإثم، وتضاعف الدعاء، وقويت العافية. قال: فوقّع بذلك عني، فوقع ابن أبي دواد، فما شعرنا من الغد إلا وقد رجعت نعمتنا علينا.
ومات الواثق بعد ثلاثة أيام أو أربعة، وفرّج الله عنا بابن أبي دواد، وبقيت له
[١] بعده في م: لنشكره على الطريق وترقبنا خروجه من دار الخليفة إلى داره فحين.....