للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نصيب رجّالة، فعلام أعطيك وأنت على بعير؟ فقلت له: بحقّ أبيك الفاروق وبحقّ الله عزّ وجلّ وبحقّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما وقرت لي بعيري. فقال عبد الله: أنا أوقره لك تمرا، ووحقّ الله وحقّ رسوله لئن عاودت استحلافي لا أبررت قسمك، ولو انك اقتصرت على إحلافي بحقّ أبي في تمرة أعطيكها لما أنفذت قسمك لأني سمعت أبي يقول: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لا تشدّوا الرّحال إلى مسجد لرجاء الثواب إلا إلى المسجد الحرام ومسجدي بيثرب، ولا يبرّ أحد قسم مستحلفه إلا أن يستحلفه بحقّ الله وحقّ رسوله. ثم قال للسودان في ذلك المال: أوقروا بعيره تمرا. قال: فلما أخذ السودان في حشو الغرائر قلت: إنّ السودان أهل طرب، وإن أطربتهم أجادوا حشو غرائزي.

فقلت: يا ابن الفاروق أتأذن لي في الغناء فأغنّيك؟ فقال لي: أنت ورأيك.

فاندفعت في النصب، فقال لي: هذا الغناء الذي لم نزل نعرفه، ثم غنّيته صوتا لطويس: [من الطويل]

خليليّ ما أخفي من الحبّ باطن ... ودمعي بما قلت الغداة شهيد

قال، فقال لي عبد الله: يا هنه، لقد جدّدت في هذا الغناء ما لم يكن. قال: ثم غنّيته لابن سريج قوله: [من المنسرح]

يا عين جودي بالدموع السّفاح ... وابكي على قتلى قريش البطاح

فقال لي: يا أشعب، هذا يحنق الفؤاد، أراد: هذا يحرق الفؤاد، لأنه كان ألثغ لا يبين الراء ولا اللام؛ قال أشعب: فكان لا يراني بعد ذلك إلا استعادني هذا الصوت.

«٥٩٤» - كان أبو صدقة المغنّي سائلا ملحفا مع إحسانه في الغناء وظرفه، وقيل له: ما أكثر سؤالك وأشدّ إلحاحك! فقال: وما يمنعني من ذلك واسمي

<<  <  ج: ص:  >  >>