للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسكين، وكنيتي أبو صدقة، وامرأتي فاقة وابني صدقة؟ وكان الرشيد يعبث به كثيرا، فقال ذات يوم لمسرور: قل لابن جامع وإبراهيم الموصلي وزبير بن دحمان وبرصوما وزلزل وابن أبي مريم المديني: إذا رأيتموني قد طابت نفسي فليسأل كلّ واحد منكم حاجة مقدارها مقدار صلته، وذكر لكلّ واحد منهم مبلغ ذلك، وأمرهم أن يكتموا أمرهم عن أبي صدقة. فقال لهم مسرور ما قال، ثم أذن لأبي صدقة قبل إذنه لهم، فلما جلس قال له: يا أبا صدقة، قد أضجرتني بكثرة مسائلك، وأنا في هذا اليوم ضجر، وقد أحببت أن أتفرّج وأفرح ولست آمن إن تنغّص عليّ مجلسي بمسألتك، فأمّا إن أعفيتني أن تسألني اليوم حاجة، وإلا فانصرف. فقال: لست أسألك في يومي هذا إلى شهر حاجة. فقال له الرشيد: أما إذا اشترطت لي هذا على نفسك فقد اشتريت منك حوائجك بخمسمائة دينار وها هي هذه، فخذها طيّبة معجلة، فإن سألتني شيئا بعدها اليوم فلا لوم عليّ إن لم أصلك سنة بعدها. قال: نعم وسنتين. فقال له الرشيد رحمه الله تعالى: زدني في الوثيقة، فقال: قد جعلت أمر أمّ صدقة في يدك فطلّقها متى شئت واحدة وإن شئت ألفا إن سألتك في يومي هذا حاجة، وأشهدت الله ومن حضر على ذلك. ودفع إليه المال، ثم أذن للجلساء والمغنّين، فدخلوا وشرب القوم، فلما طابت نفسه، يعني الرشيد، قال له ابن جامع: يا أمير المؤمنين، قد نلت منك ما لم تبلغه أمنيتي، وكثر إحسانك إليّ حتى كبتّ أعدائي وقتلتهم، وليس لي بمكة دار تشبه حالي، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر لي بمال أبني به دارا وأفرشها بباقيه لأفقأ عيون أعدائي وأزهق نفوسهم، فعل. قال: وكم قدّرت لذلك؟ قال: أربعة آلاف دينار، فأمر له بها؛ ثم قام إبراهيم الموصليّ فقال له: قد ظهرت نعمتك عليّ وعلى أكابر ولدي، وفي أصاغرهم من أحتاج أن أطهّره، ومنهم صغار أحتاج أن أتّخذ لهم خدما، فإن رأى أمير المؤمنين أن يحسن معونتي على ذلك، فعل. فأمر له بمثل ما أمر به لابن جامع. وجعل كلّ واحد منهم يقول من الثناء ما يحضره ويسأل حاجته على قدر جائزته، وأبو صدقة

<<  <  ج: ص:  >  >>