للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرسلني، يا بحيرا أرسلني، فإني أموت إن أمسكتموني. قال عبد الله: وضبطته فمات في يدي مكانه. فواراه وانصرف. وكان شعره قد غطّى على كل شيء منه. وفي ذلك يقول عمرو بن العاص من أبيات: [من الطويل]

إذا المرء لم يترك طعاما يحبّه ... ولم يعص قلبا غاويا حيث يمّما

قضى وطرا منه يسيرا وأصبحت ... إذا ذكرت أمثاله تملأ الفما

«٦٦٦» - قال ابن الكلبي: كان عامر بن الظّرب العدواني يدفع بالناس في الحجّ.

فحجّ ملك من ملوك حمير، فرآه فقال: لا أترك هذا المعدّيّ حتى أذلّه وأفسد عليه أمره. فلما رجع الملك إلى بلده وصدر الناس، أرسل إليه الملك: إني أحبّ أن تزورني، فأحبوك وأكرمك وأتّخذك خلّا وصديقا. فأتاه قومه فقالوا: تغدو ويغدو معك قومك فيصيبون من جنبك ويتّجهون بجاهك. فخرج وأخرج معه نفرا من قومه. فلما قدم بلاد الملك تكشّف له رأيه وأبصر سوء ما صنع بنفسه. فجمع إليه أصحابه فقال: ألا ترون أنّ الهوى يقظان والرأي نائم؟ وهو أوّل من قاله، فمن هناك يغلب الهوى الرّأي ومن لم يغلب الهوى بالرّأي ندم؛ عجلت حين عجلتم، ولن أعود بعد أعجل برأي؛ إنّا قد تورّطنا في بلاد هذا الملك، فلا تسبقوني بريث أمر أقيم عليه ولا بعجلة رأي أخف معه، دعوني وحيلتي، فإنّ رأيي لي ولكم.

فلما قدم على الملك ضرب عليه قبّة وأكرمه وأكرم أصحابه، فقالوا: قد أكرمنا كما ترى، وبعد هذا ما هو خير منه. فقال: لا تعجلوا، فإنّ لكلّ آكل طعاما، ولكلّ راع مرعى، ولكلّ مراح مريحا، وتحت الرّغوة الصريح. وهو أوّل من قاله. فمضوا أياما، ثم بعث إليه الملك: إني قد رأيت أن أجعلك الناظر في أمور قومي، وقد رضيت عقلك، وأتفرّغ أنا لما أريد، فما رأيك؟ قال: أيها الملك، ما أحسب أنّ رغبتك في قربي بلغت أن تخلع لي ملكك؛ وقد تفضّلت إذ

<<  <  ج: ص:  >  >>