والصّلة، بكم ينتظم الملك، وبتدبيركم وسياستكم يصلح الله سلطانهم ويجمع فيئهم ويعمر بلدانهم، يحتاج إليكم الملك في عظيم ملكه، والوالي في سنيّ قدره، فموقع أسماعهم التي بها يسمعون، وأبصارهم التي بضوئها ينظرون، وألسنتهم التي بها ينطقون، وأيديهم التي بها يبطشون. أنتم إذا آلت الأمور إلى موئلها وصارت إلى محاصلها ثقاتهم دون أهليهم وأولادهم وقراباتهم ونصائحهم، فأمتعكم الله بما خصّكم من فضل «١» صناعتكم، ولا نزع عنكم سربال النعمة عليكم، وليس أحد من أهل الصناعات كلّها أحوج إلى اجتماع خلال الخير المحمودة، وخصال الفضل المذكورة والمعدودة منكم.
أيها الكتّاب؛ إنكم على ما سبق به الكتّاب من سنتكم، فإنّ الكاتب يحتاج من نفسه، ويحتاج من صاحبه الذي يثق به في مهمّات أموره إلى أن يكون حليما في موضع الحلم، حكيما في موضع الحكمة، مقداما في موضع الإقدام، محجما في موضع الإحجام، ليّنا في موضع اللين، شديدا في موضع الشدّة، مؤثرا للعفاف والعدل والإنصاف، كتوما للأسرار، وفيّا عند الشدائد، عالما بما يأتي ويذر، ويضع الأمور مواضعها، وقد نظر في كلّ صنف من صنوف العلم فأحكمه، وإن لم يحكمه شدا منه شدوا يكتفي به، يكاد يعرف بغريزة عقله وحسن أدبه وفضل تجربته ما يرد عليه قبل وروده، وعاقبة ما يصدر عنه قبل صدره، فيعدّ لكلّ أمر عدّته ويهيّىء له أهبته.
فتنافسوا معشر الكتّاب في صنوف العلم والأدب وتفقهوا في الدين وابدأوا بعلم كتاب الله عز وجل والفرائض، ثم العربية فإنها ثقاف ألسنتكم، وأجيدوا الخطّ فإنه حلية كتبكم، وارووا الأشعار واعرفوا معانيها وغريبها، وأيام العرب والعجم وأحاديثها وسيرها، فإنّ ذلك معين لكم على ما تسمون إليه بهممكم، ولا يضعفنّ نظركم في الحساب فإنه قوام كتّاب الخراج منكم،