وارغبوا بأنفسكم عن المطامع سنيّها ودنيّها، ومسافّ الأمور ومحاقرها فإنها مذلّة للرقاب مفسدة للكتاب، ونزّهوا صناعتكم واربأوا بأنفسكم عن السعاية والنميمة، وما فيه أهل الجهالة «١» والدناءة.
إيّاكم والكبر [والصلف] والعظمة فإنها عداوة مجتلبة بغير إحنة، وتحابّوا في الله عز وجل في صناعتكم، وتواصوا عليها فإنها شيم أهل الفضل والنبل من سلفكم. وإن نبا الزمان برجل منكم، فاعطفوا عليه وواسوه حتى يرجع إليه حاله، فإن أقعد الكبر أحدكم عن مكسبه ولقاء إخوانه فزوروه وعظّموه وشاوروه، واستظهروا بفضل تجربته وقديم معرفته، وليكن الرجل منكم على من اصطنعه واستظهر به ليوم حاجته إليه أحدب وأحوط منه على أخيه وولده، وإن عرضت مذمّة فليحملها من دونه، وليحذر السّقط والزلّة والملال عند تغيّر الحال، فإنّ العيب إليكم معشر الكتاب أسرع منه إلى المرآة «٢» ، وهو لكم أفسد منه [لها] . وابذلوا وفّقكم الله ذلك من أنفسكم في الرخاء والشدة، والاحسان والاساءة، والغضب والرضى، والسّرّاء والضّراء، والحرمان والمواساة، فنعمت «٣» هذه السمة لمن يوسم بها من أهل هذه الصناعة الشريفة.
وإذا ولي الرجل منكم أو صيّر إليه من أمور خلق الله وعياله أمر فليراقب الله تعالى ذكره، وليؤثر طاعته فيه، وليكن على الضعيف رفيقا وللمظلوم منصفا، فإن الخلق عيال الله، وأحبّهم إليه أرفقهم على عياله، وليكن بالحقّ عالما، وللأشراف مكرما، وللفيء موفّرا، وللبلاد عامرا، وللرعيّة متألّفا، وليكن في مجلسه متواضعا حليما لينا، وفي استجلاب خراجه واستقضاء حقّه رفيقا إن شاء الله.