وإذا صحب أحدكم الرجل فليستشفّ خلائقه كما يستشفّ الثوب يشتريه لنفسه، وإذا عرف حسنها وقبيحها أعانه «١» على ما يوافقه من الحسن، واحتال لصرفه عما يهوى من القبيح بألطف حيلة وأحسن مداراة ورفقة، فقد عرفتم أن سائس البهيمة إذا كان حاذقا بسياستها التمس معرفة أخلاقها، فإن كانت رموحا اتّقاها من قبل رجلها، وإن كانت جموحا لم يهجها إذا ركبها، وإذا كانت شبوبا توقّاها من ناحية يدها، وإن خاف منها عضاضا توقّاها من تلقاء رأسها، وإن كانت حرونا لم يلاحها بل يتبع هواها في طريقها، وإذا استمرّت عطفها فسلس عليه قيادها، وفي هذا الوصف من سائس البهيمة [في] رفق سياسته «٢» دليل وأدب لمن ساس الناس وعاملهم وخدمهم وصحبهم، والكاتب بفضل أدبه وشريف صناعته ولطف حيلته ومعاملته من الناس لمن يحاوره ويناظره ويفهم عنه ويخاف سطوته أولى بالرفق «٣» بصاحبه ومداراته وتقويم أوده من سائس البهيمة التي لا تحير جوابا، ولا تعرف خطأ ولا صوابا، إلّا بقدر ما يصيّرها إليه سائسها أو صاحبها الراكب. فأدقّوا «٤» رحمكم الله في ذلك النظر، وأعملوا فيه الروية والفكر، تأمنوا ممن صحبتموه- بإذن الله- النبوة والاستثقال والجفوة، ويصر منكم إلى الموافقة، وتصيروا منه إلى المواساة والشفقة، إن شاء الله.
ولا يجوزنّ «٥» الرجل منكم في هيئة مجلسه وملبسه ومركبه ومطعمه ومشربه وبنائه وخدمه وغير ذلك من فنون «٦» أمره قدر صناعته، فإنّكم مع ما فضّلكم الله به من شرف صناعتكم خدمة لا تحتملون في خدمتكم على التقصير،