وخزّان وحفظة لا يحتمل منكم التضييع والتبذير، واستعينوا على عفافكم بالقصد في كلّ ما عدا عليكم، فنعم العون عونكم على صيانة دينكم، وحفظ أمانتكم وصلاح معاشكم. واحذروا متالف السّرف وسوء عاقبة التّرف، فإنّهما يعقبان الفقر، ويذلّان الرقاب، ويفضحان أهليهما، ولا سيّما الكتاب.
والأمور أشباه وبعضها دليل على بعض، فاستدلّوا على مؤتنف عملكم بما سبقت إليه تجربتكم، ثم اسلكوا من مسالك التدبير أوضحها محجّة، وأرجحها «١» حجّة، وأحمدها عاقبة. واعلموا أن للتدبير آفة وضدا واقعا لا يجتمعان في أحد أبدا، وهو الوصف المشغل لصاحبه عن إنفاذ عمله ورويّته، فليقصد الرجل منكم في مجلس تدبيره قصد الكافي في منطقه، وليوجز في ابتدائه، وليأخذ بمجامع حججه، فإنّ ذلك مصلحة لعقله، ومحجّة لذهنه، ومدفعة للتشاغل عن إكثاره، وإن لم يكن الاكثار عادة، ثم وضع وضعه في ابتداء كتاب أو جواب لحاجة فلا بأس؛ ولا يدعونّ الرجل صنيع الله جلّ ذكره في أمره وتأييده إياه بتوفيقه، إلى العجب المضرّ بدينه وعقله وأدبه، فإنّه إن ظنّ منكم ظانّ، أو قال قائل، إنّ ذلك الصّنع لفضل حيلة، وأصالة رأي وحسن تدبير كان متعرضا «٢» لأن يكله الله تعالى إلى نفسه، فيصير بها إلى غير كاف.
ولا يقل أحد منكم إنه آدب وأعقل وأحمل لعبء التدبير والعمل من أخيه في صناعته، فإنّ أعقل الرجلين عند ذوي الألباب القائل إنّ صاحبه أعقل منه، وأحمقكم الذي يرى أنه أعقل من صاحبه، لعجب هذا بنفسه، ونبذ ذلك العجب وراء ظهره إذ كان الآفة العظمى من آفات عقله. ولكن قد يلزم الرجل أن يعرف فضل الله عزّ وجلّ من [غير] عجب، ويحمده بالتواضع لعظمته، وأنا أقول في آخر كتابي هذا وغبر كلامه بعد الذي فيه من ذكر الله