للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عز وجل فلذلك جعلته آخره وختمته به: تولّانا الله وإياكم معشر الكتاب بما يتولّى من سبق عمله في إسعاده وإرشاده، فإنّ ذلك إليه وبيده، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فأما القضاء والمظالم فمن أكبر أسباب السلطان، ومتوليها أعلى منزلة من أعوانه، وكتب الفقه أولى مكان لذلك.

[٨٧١]- وقد كتب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري كتابا يمثّل به أدب القضاء نحن نقتصر عليه: أما بعد فإنّ القضاء فريضة محكمة، وسنّة متّبعة، فافهم إذا أدلي إليك، فإنّه لا ينفع تكلّم بحق لا نفاذ له، وآس بين الناس في مجلسك ووجهك وعدلك حتى لا يطمع شريف في حقّك، ولا ييأس ضعيف من عدلك. البينة على من ادّعى واليمين على من أنكر، والصلح بين المؤمنين جائز إلّا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا.

لا يمنعك قضاء قضيته اليوم، فراجعت فيه عقلك وهديت فيه رشدك أن ترجع إلى الحق، فإنّ الحقّ قديم، ومراجعة الحقّ خير من التمادي في الباطل. الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنّة، ثم اعرف الأمثال والأشباه فقس الأمور عند ذلك [بنظائرها] ، واعمد إلى أقربها إلى الله عز وجل وأشبهها بالحقّ، واجعل لمن ادّعى حقا غائبا أو بينة أمدا ينتهي إليه، فإن أحضر بينته أخذت له بحقّه، وإلّا استحالت عليه القضية، فإنّه أخفى للشكّ وأجلى للعمى. المسلمون عدول بعضهم على بعض إلّا مجلودا في حدّ أو مجرّبا عليه شهادة زور، أو ظنينا في ولاء أو نسب، فإنّ الله عزّ وجلّ تولّى منكم السرائر ودرأ بالبينات والأيمان. وإياك والقلق والضجر والتأذي بالخصوم والتنكر عند الخصومات، فإنّ الحقّ في مواطن الحقّ يعظّم الله به الأجر ويحسن به


[٨٧١] البيان والتبيين ٢: ٤٨- ٥٠ وعيون الأخبار ١: ٦٦ والكامل للمبرد ١: ١٤ والعقد ١: ٨٦ ونثر الدر ٢: ٢٤- ٢٥ وأخبار القضاة ١: ٧٠- ٧٣ ورونق التحبير، الورقة: ١٨/أ (مخطوطة الرباط/ د: ١١٨٢) ولقاح الخواطر: ٩ ب (وفيه تفسير ألفاظه) .

<<  <  ج: ص:  >  >>