لينقطع عنه، فعدا معه حتى وافيا الباب كفرسي رهان، ودخل ابن عائشة فمكث طويلا طمعا في أن يضجر فينصرف، فلم يفعل حتى أعياه، فقال لغلامه:
أدخله، فقال له: ويحك! من أين صبّك الله عليّ! قال: أنا رجل من أهل وادي القرى أشتهي هذا الغناء. فقال له: هل لك فيما هو أنفع لك منه؟ قال:
وما ذلك؟ قال: مائتا دينار، وعشرة أثواب تنصرف بها إلى أهلك. فقال له:
جعلت فداك! والله إن لي لبنيّة ما في أذنيها- علم الله- حلقة من الورق فضلا عن الذهب، وإنّ لي زوجة ما عليها- شهد الله- قميص، ولو أعطيتني جميع ما أمر لك به أمير المؤمنين على هذه الخلّة والفقر اللّذين عرّفتكهما وأضعفت لي ذلك لكان الصوت أحبّ إليّ. وكان ابن عائشة من تيهه لا يغنّي إلا لخليفة أو ذي قدر جليل، فتعجّب ابن عائشة منه ورحمه، ودعا بالدواة وجعل يغنّي مرتجلا، فغنّاه الصوت فطرب له طربا شديدا وجعل يحرّك رأسه حتى ظنّ أنّ عنقه سينقصف، ثم خرج من عنده ولم يرزأه شيئا. وبلغ الخبر الوليد بن يزيد، فسأل ابن عائشة عنه فجعل يغيب عن الحديث، ثم جدّ به الوليد فصدقه عنه.
فأمر بطلب الرجل، فطلب حتى أحضر ووصله صلة سنيّة وجعله في ندمائه وو كّله بالسّقي فلم يزل معه حتى قتل.
«٩٤» - غنّى علّويه يوما بحضرة إبراهيم الموصليّ:[من البسيط]
عمّيت أمري على أهلي فنمّ به
فقال: هذا الصوت معرق في العمى؛ الشعر لبشّار الأعمى، والغناء لأبي زكار الأعمى، وأوّل الصوت: عمّيت أمري.
«٩٥» - قال معبد: أرسل إليّ الوليد فأشخصت إليه، فبينا أنا ذات يوم في بعض حمّامات الشام إذ دخل عليّ رجل له هيبة ومعه غلمان، فاطّلى [واشتغل]