به صاحب الحمّام عن سائر الناس، فقلت: والله لئن لم أطلع هذا على بعض ما عندي لأكوننّ بمزجر الكلب. فاستدبرته بحيث يراني ويسمع مني ثم ترنّمت، فالتفت إليّ وقال للغلمان: قدّموا إليه جميع ما ههنا. فصار جميع ما كان بين يديه عندي، ثم سألني أن أصير معه إلى منزله، فلم يدع شيئا من البرّ والإكرام إلا فعله. ثم وضع النبيذ، فجعلت لا آتي بحسن إلا خرجت إلى أحسن منه ولا يرتاح ولا يحفل لما يرى. فلما طال عليه أمري قال: يا غلام، شيخنا شيخنا، فأتي بشيخ فلما رآه هشّ إليه، فأخذ الشيخ العود ثم اندفع يغنّي:
سلّور في القدر ويحي علوه ... جاء القطّ أكله ويحي علوه
السّلور: السمك الجري بلغة أهل الشام. قال: فجعل صاحب المنزل يصفّق ويضرب برجله طربا وسرورا، ثم غنّاه:
وترميني حبيبة بالدّراقن ... وتحسبني حبيبة لا أراها
الدّراقن: الخوخ بلغة أهل الشام. قال: فكاد أن يخرج من جلده طربا. قال:
وانسللت منهم فانصرفت ولم يعلم بي، فما رأيت مثل ذلك اليوم قطّ غناء أضيع ولا شيخا أجهل! «٩٦» - قال خالد بن كلثوم: كنت مع زبراء بالمدينة وهو وال عليها، وهو من بني هاشم أحد بني ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فأمر بأصحاب الملاهي فحبسوا وحبس منهم عطرّد وهو مولى بني عمرو بن عوف من الأنصار، وكان مع الغناء قارئا مقبول الشهادة. فحضر جماعة من أهل المدينة عنده فتشفّعوا لعطرّد وأنّه من أهل الهيئة والمروءة والدّين، فدعا به وخلّى سبيله، وخرج وإذا هو بالمغنّين قد أخرجوا ليعرضوا، فعاد إليه عطرّد فقال: أصلح الله الأمير، أعلى الغناء حبست هؤلاء؟ قال: نعم، قال: فلا تظلمهم، فو الله ما أحسنوا منه شيئا