«٩٧» - قال أشعب: دعي بالمغنّين للوليد بن يزيد، وكنت نازلا معهم فقلت للرسول: خذني فيهم، قال: لم أومر بذلك، إنّما أمرت بإحضار المغنّين وأنت بطّال لا تدخل في جملتهم. فقلت له: أنا والله أحسن غناء منهم، ثم اندفعت فغنّيت، فقال: لقد سمعت حسنا ولكني أخاف. قلت: لا خوف عليك، ولك مع هذا شرط، قال: وما هو؟ قلت: كلّ ما أصيبه فلك شطره. فقال للجماعة: اشهدوا لي عليه، فشهدوا ومضينا فدخلنا على الوليد وهو لقس النّفس، فغنّاه المغنّون في كلّ فنّ من ثقيل وخفيف، فلم يتحرّك ولا نشط، فقام الأبجر المغنّي إلى الخلاء وكان خبيثا داهيا، فسأل الخادم عن خبره ولأي شيء هو خاثر، فقال له: بينه وبين امرأته شر لأنّه عشق أختها، فغضبت عليه وهو إلى أختها أميل، وقد عزم على طلاقها، وحلف أن لا يذكرها أبدا بمراسلة ولا مخاطبة وخرج على هذه الحال من عندها. وعاد الأبجر وجلس فما استقرّ به المجلس حتى اندفع يغنّي:[من الطويل]
فبيني فإني لا أبالي وأيقني ... أصعّد باقي حبّكم أم تصوّبا
ألم تعلمي أني عزوف عن الهوى ... إذا صاحبي من غير شيء تغضّبا
فطرب الوليد وارتاح وقال: أصبت والله يا عبيد ما في نفسي، وأمر له بعشرة آلاف درهم، وشرب حتى سكر، ولم يحظ أحد بشيء سوى الأبجر. قال أشعب: فلما أيقنت بانقضاء المجلس وثبت فقلت: إن رأيت يا أمير المؤمنين أن تأمر من يضربني مائة سوط بحضرتك الساعة! فضحك ثم قال: قبّحك الله! وما السبب في ذلك؟ فأخبرته بقصّتي مع الرسول وقلت له: إنّه بدأني من المكروه أول يومه ما اتّصل إلى آخره، فأريد أن أضرب مائة سوط ويضرب بعدي مثلها.