بحضرتي ليكون أوثق له، فقل له: أنا أفرشها بالبواري، وحاكمه إليّ. ثم دعي به فأحضر، فلما استقرّ في مجلسه قال لجعفر بن يحيى: الفرش الذي حلفت بحياة أمير المؤمنين أنك تفرش به داري تقدّم به. فقال له جعفر: اختر، إن شئت فرشتها لك بالبواري، وإن شئت بالبرديّ من الحصر. فصيّح واضطرب، فقال له الرشيد: وكيف كانت القصة؟ فأخبره، فقال له: أخطأت يا أبا صدقة إذ لم تسمّ [النوع] ولم تحدّد القيمة، فإذا فرشها بالبواري أو بما دون ذلك فقد وفّى بيمينه، وإنّما خدعك ولم تفطن أنت ولا توثّقت وضيّعت حقّك. فسكت وقال: نوفّر أيضا البرديّ والبواري عليه، أعزّه الله تعالى. وغنّى المغنّون حتى انتهى الدّور إليه فأخذ يغنّي غناء الملّاحين والبنّائين والسّقّائين وما جرى مجراه من الغناء، فقال له الرشيد: أيّ شيء هذا الغناء؟ ويلك! قال: من فرش داره بالبواري والبرديّ فهذا الغناء كثير منه، وكثير أيضا لمن هذه صلته. فضحك الرشيد وطرب وصفّق ثم أمر له بألف دينار من ماله وقال له: افرش دارك بهذه، فقال:[وحياتك] لا آخذها يا سيّدي أو تحكم لي على جعفر بما وعدني، وإلا متّ والله أسفا لفوت ما حصل في طمعي ووعدت به. فحكم له على جعفر بخمسمائة دينار فقبلها جعفر وأمر له بها.
«١٠٢» - كان خليلان أديبا يعلم الصبيان الخطّ والقرآن، وكان مغنّيا مجيدا. فحدّث من حضره قال: كنت يوما عنده وهو يردّ على صبيّ يقرأ بين يديه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ
(لقمان: ٦) ثم يلتفت إلى صبيّة فيردّ عليها: [من السريع]
عاد لهذا القلب بلباله ... إذ قرّبت للبين أجماله
فضحكت ضحكا مفرطا لما فعله، فالتفت إليّ فقلت: ويلك ما لك! أتنكر