«٨٨» - قيل: أوّل يوم عرف فيه الحجاج أنه كان في الشرط مع عبد الملك بن مروان، فبعث إلى زفر بن الحارث عشرة هو أحدهم، فكلّموه وأبلغوه رسالة عبد الملك، فقال: لا سبيل إلى ما تريدون، فقال له أحدهم: أراه والله سيأتيك ما لا قبل لك به، ثم لا يغني عنك فسّاقك هؤلاء شيئا، فأطعني واخرج، قال: وحضرت الصلاة فقال: نصلّي ثم نتكلم، فأقام الصلاة وهم في بيته، فتقدّم زفر وصلّى بهم، وتأخر الحجاج فلم يصلّ، فقيل له: ما منعك من الصلاة؟ قال: أنا لا أصلّي خلف مخالف للجماعة مشاقّ للخلافة، لا والله لا يكون ذلك أبدا، فبلغت عبد الملك فقال: إنّ شرطيّكم هذا لجلد، فكان هذا مبدأ ظهور همته. ثم إن عبد الملك خطب بالكوفة بعد قتل مصعب، وندب الناس إلى قتال عبد الله بن الزبير فلم يقم أحد، فقام الحجاج فأقعده، ثم قام فقال: يا أمير المؤمنين إني رأيت في المنام كأني قتلته وسلخته، فلم يكن ليفعل به ذلك غيري فقال: أنت له، وولّاه حربه.
«٨٩» - قال الجاحظ حدثني إبراهيم بن السنديّ قال: سمعت عبد الملك ابن صالح يقول، بعد إخراج المخلوع له من حبس الرشيد، وذكر ظلم الرشيد له وإقدامه عليه، وكان يأنس به ويثق بمودته وعقله: والله إن الملك لشيء ما نويته ولا تمنيته، ولا تصدّيت إليه ولا تبغيته [١] ، ولو أردته لكان أسرع إليّ من السيل إلى الحدور، ومن النار في يابس العرفج، وإني لمأخوذ بما لم أجن،