للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زقاق فيها دوشاب [١] من البصرة في جملة هدايا حملت إليه، فقسمها بيننا، فكلنا أخذ ما أعطي غير الحزامي، فأنكرنا ذلك وقلنا إنما يجزع الحزامي من الإعطاء وهو عدوه، فأما الأخذ فهو ضالته وأمنيّته، فإنه لو أعطي أفاعي سجستان وثعابين مصر وجرّارات [٢] الأهواز لأخذها إذا كان اسم الأخذ واقعا عليها، فسألناه عن سبب ذلك فتعصّر قليلا ثم باح بسره فقال: وضيعته أضعاف ربحه، وأخذه من أسباب الإدبار، قلت: أول وضائعه احتمال ثقل الشكر، قال: هذا ما لم يخطر ببالي قطّ، ولكن أوّل ذلك كراء الحمّال، فإذا صار إلى المنزل صار سببا لطلب العصيدة والأرزة والبستندودة، فإن بعته فرارا من هذا البلاء صيرتموني شهرة، وإن أنا حبسته ذهب في ذلك وأشباهه وجذب ذلك شراء السمن، وصار أضرّ علينا من العيال، فإن أنا جعلته نبيذا احتجت إلى كراء القدور وإلى شراء الداذيّ والماء، وإن فسد ذهبت النفقة باطلا ولم نستخلفه منها بوجه من الوجوه، لأنّ خلّ الداذيّ يخضب اللحم، ويضرّ بالطبخ، ويفسد الطّعم، ويسوّد المرق، ولا يصلح للاصطباغ، وإن سلم وأعوذ بالله وجاد وصفا ولم نجد بدّا من شربه ولم تطب أنفسنا بتركه، فإن قعدت في البيت أشربه لم يكن ذلك إلا بترك سلاف الفارسيّ المعسّل والدجاج المسمّن وجداء كسكر وفاكهة الجبل والنّقل الهشّ والريحان الغضّ من عند من لا ينقص [٣] ماله ولا تنقطع مادته، وعند من لا يبالي على أيّ قطريه وقع [٤] ، مع فوت المجلس المؤنق والسماع المطرب، وعلى أني إن قعدت في البيت أشربه لم يكن لي بدّ من واحد، وذلك الواحد لا بدّ له من لحم بدرهم، ونقل بطسوج، وريحان بقيراط، وهذا كله غرم وشؤم وحرفة وخروج عن العادة، فإن كان ذلك النديم غير موافق فأهل السجن أحسن حالا منّي، وإن كان


[١] البخلاء: دبس.
[٢] البخلاء: وحيات.
[٣] البخلاء: يغيض.
[٤] البخلاء: سقط.

<<  <  ج: ص:  >  >>