للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنات [١] ، فكان يمر بأبي العتاهية طرفي النهار فيقول أبو العتاهية: اللهم أعنه على ما هو بسبيله، شيخ ضعيف سيّىء الحال له بنات متجمل، اللهم أعنه، اللهم اصنع له، اللهم بارك فيه، فبقي على هذا إلى أن مات الشيخ نحوا من عشرين سنة لا والله إن تصدّق عليه بدرهم ولا دانق قط، ولا زاده على الدعاء شيئا، فقلت له يوما: يا أبا إسحاق إني أراك تكثر الدعاء لهذا الشيخ، وتزعم أنه فقير معيل [٢] فلم لا تتصدّق عليه بشيء؟ فقال: أخشى أن يعتاد الصدقة، والصدقة أخر مكاسب العبد، وإنّ في الدعاء لخيرا كثيرا.

«٩٩٠» - ووقف على أبي العتاهية ذات يوم سائل من العيّارين الظرفاء، وجماعة جيرانه حواليه، فسأله من بين الجيران، فقال: صنع الله لك، فأعاد السؤال فردّ عليه مثل ذلك، فأعاده الثالثة فردّ عليه مثل ذلك، فغضب وقال له: ألست الذي يقول: [من المديد]

كلّ حيّ عند ميتته ... حظّه من ماله الكفن

قال: نعم، قال: فبالله أتريد أن تعدّ مالك كلّه لثمن كفنك؟ قال:

لا، قال: فبالله كم قدّرت لكفنك؟ قال: خمسة دنانير، قال: هي إذن حظك من مالك، قال: نعم، قال: فتصدّق عليّ من غير حظك بدرهم واحد، قال: لو تصدقت عليك لكان حظّي، قال: فاعمل على أن دينارا من الخمسة وضيعته قيراط، فادفع إليّ قيراطا واحدا، وإلا فواحدة أخرى قال: وما هي؟ قال: القبور تحفر بثلاثة دراهم، فاعطني درهما وأقيم لك كفيلا بأني أحفر لك قبرك متى متّ وتربح در همين لم يكونا في حسابك، فإن لم أحفر رددته على ورثتك أو ردّه كفيلي عليهم، فخجل أبو العتاهية وقال:


[١] الأغاني: عليه ثياب.
[٢] الأغاني: مقلّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>