للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تأكله فكل، وأخرج إليّ رغيفين والملح، فأكلتهما وبتّ ميتا جوعا، وأصبحت فسرنا حتى نزلنا المنزل، فقال لغلامه: ابتع لنا لحما بدرهم، فابتاعه، فقال: كبب لي قطعا، ففعل، فأكله ونصب القدر، فلما اغبرت قال: اغرف لي منها قطعا ففعل، وأكلها [١] ثم قال: اطرح فيها دقة وأطعمني منها، ففعل، ثم قال: ألق توابلها وأطعمني منها، ففعل، وأنا جالس أنظر إليه لا يدعوني، فلما استوفى اللحم كلّه قال: يا غلام أطعم أشعب، فرمى إليّ برغيفين، فجئت إلى القدر فإذا ليس فيها إلّا مرق وعظام، فأكلت الرغيفين، وأخرج له جرابا فيه فاكهة يابسة، فأخذ منها حفنة فأكلها، وبقي في كفه كفّ لوز بقشره، ولم تكن له فيه حيلة، فرمى به إليّ وقال: كل هذا يا أشعب، فذهبت أكسر واحدة منه فإذا ضرسي قد انكسرت منها قطعة فسقطت بين يديّ، وتباعدت أطلب حجرا أكسر به فوجدته فضربت به لوزة فطفرت علم الله مقدار رمية حجر، وعدوت في طلبها، فبينا أنا في ذلك إذ أقبل بنو مصعب، يعني ثابتا وإخوته، يلبّون بتلك الحلوق الجهورية، فصحت بهم:

الغوث الغوث بالله وبكم يا آل الزبير، الحقوني أدركوني، فركضوا إليّ، فلما رأوني قالوا: مالك ويلك؟ قلت: خذوني معكم تخلصوني [٢] من الموت، فحملوني معهم، فجعلت أرفرف بيديّ كما يفعل الفرخ إذا طلب الزّقّ من أبويه، فقالوا: مالك ويلك؟ قلت: ليس هذا موضع الحديث، زقّوني زقوني ما معكم، فقد متّ ضرا وجوعا منذ ثلاث، فأطعموني حتى تراجعت نفسي وحملوني معهم في محمل ثم قالوا: أخبرنا بقصتك، فحدثتهم وأريتهم ضرسي المكسورة، فجعلوا يضحكون ويصفقون فقالوا: ويحك من أين وقعت على هذا؟ هذا من أبخل خلق الله وأدناهم نفسا. فحلفت بالطلاق أني لا أدخل المدينة ما دام له بها سلطان، فلم أدخلها حتى عزل.


[١] ونصب ... وأكلها: سقط من م ع.
[٢] م ع: فخلصوني.

<<  <  ج: ص:  >  >>