فقال لي: يا أحمد، جئت؟ قلت: نعم، وأنا جائع وأنا في ضيافتك، قال: افتح كفيك، ففتحتهما فملأهما دراهم، فانتهت وهما مملوءتان، وقمت فاشتريت خبزا حواريا وفالوذجا، وأكلت، وقمت للوقت ودخلت البادية.
وذكر الحافظ أبو القاسم بن عساكر في تاريخه بسنده إلى أبي القاسم ثابت بن أحمد البغدادي، قال: إنه رأى رجلا بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم أذن للصبح عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال فيه:
الصلاة خير من النوم، فجاءه خادم من خدم المسجد فلطمه حين سمع ذلك، فبكى الرجل، وقال: يا رسول الله في حضرتك يفعل بي هذا الفعل؟ ففلج الخادم، وحمل إلى داره فمكث ثلاثة أيام ومات.
قلت: والواقعة التي نقلها ابن النعمان عن أبي بكر المقرئ رواها ابن الجوزي في كتابه الوفاء بإسناده إلى أبي بكر المقري، وبقية الوقائع المذكورة ذكرها غيره أيضا.
ومن ذلك ما ذكر ابن النعمان أنه سمعه ممن وقع له أو عنه بواسطة فقال: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن سعيد يقول: كنت بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم ومعي ثلاثة من الفقراء فأصابتنا فاقة، فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله ليس لنا شيء، ويكفينا ثلاثة أمداد من أي شيء كان، فتلقاني رجل فدفع إليّ ثلاثة أمداد من التمر الطيب.
وسمعت الشريف أبا محمد عبد السلام بن عبد الرحمن الحسيني الفاسي يقول:
أقمت بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام لم أستطعم فيها، فأتيت عند منبره صلى الله عليه وسلم فركعت ركعتين وقلت: يا جدي جعت وأتمنى عليك ثردة، ثم غلبتني عيني فنمت، فبينا أنا نائم وإذا برجل يوقظني، فانتبهت فرأيت معه قدحا من خشب وفيه ثريد وسمن ولحم وأفاويه، فقال لي: كل، فقلت له: من أين هذا؟ فقال: إن صغاري لهم ثلاثة أيام يتمنون هذا الطعام، فلما كان اليوم فتح الله لي بشيء عملت به هذا، ثم نمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم وهو يقول: إن أحد إخوانك تمنى على هذا الطعام فأطعمه منه.
وسمعت الشيخ أبا عبد الله محمد بن أبي الأمان يقول: كنت بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم خلف محراب فاطمة رضي الله تعالى عنها، وكان الشريف مكثر القاسمي قائما خلف المحراب المذكور، فانتبه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعاد علينا متبسما، فقال له شمس الدين صواب خادم الضريح النبوي: فيم تبسمت؟ فقال: كانت بي فاقة، فخرجت من بيتي فأتيت بيت فاطمة رضي الله تعالى عنها، فاستغثت بالنبي صلى الله عليه وسلم وقلت: إني جائع، فنمت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاني قدح لبن فشربت حتى رويت، وهذا هو فبصق اللبن من فيه في كفي، وشاهدناه من فيه.