بكى أسفا واستودع الركب إذ غدا ... تحية صدق تفعم الركب بالعرف
فيا خاتم الرسل الشفيع لربه ... دعاء مهيض خاشع القلب والطرف
عتيقك عبد الله ناداك ضارعا ... وقد أخلص النجوى وأيقن بالعطف
رجاك لضر أعجز الناس كشفه ... ليصدر داعيه بما جاء من كشف
لرجل رمى فيها الزمان فقصرت ... خطاه عن الصف المقدم في الزحف
وإني لأرجو أن تعود سوّية ... بقدرة من يحيي العظام ومن يشفي
فأنت الذي نرجو حيا وميتا ... لصرف خطوب لا تريم إلى صرف
عليك سلام الله عدة خلقه ... وما يقتضيه من مزيد ومن ضعف
قال: فما هو إلا أن وصل الركب إلى المدينة، وقرئ على قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم هذا الشعر، وبرأ الرجل في مكانه، فلما قدم الذي استودعه إياه وجده كأنه لم يصبه ضر قط.
[الفصل الرابع في آداب الزيارة والمجاورة، وهي كثيرة]
منها الآداب المتعلقة بسفرها، وهي كما في سائر الأسفار: من الاستخارة، وتجديد التوبة، والخروج من المظالم، واستحلال المعاملين، والتوصية، وإرضاء من يتوجه إرضاؤه، وإطابة النفقة، والتوسعة في الزاد على نفسه ورفيقه وجماله، وعدم المشاركة فيه، وتوديع الأهل والإخوان والتماس أدعيتهم، وتوديع المنزل بركعتين، ويقرأ بعد السلام آية الكرسي ولإيلاف قريش، ثم يدعو ويسأل الإعانة والتوفيق في سائر أموره، ويقول:
اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكابة المنظر وسوء المنقلب، اللهم اقبض لنا الأرض وهون علينا السفر، فإذا نهض من جلوسه قال: اللهم بك انتشرت، وإليك توجهت، وبك اعتصمت، اللهم أنت ثقتي وأنت رجائي، اللهم اكفني ما أهمني، وما أهتم له، وما أنت أعلم به مني، اللهم زودني التقوى، واغفر لي ذنبي، ووجهني للخير حيثما توجهت.
ويستحب أن يتصدق عند الخروج من منزله بشيء وإن قل، وأن يحرص على رفيق موافق، راغب في الخير، كاره للشر، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، إلى غير ذلك من آداب السفر.
ومنها: إخلاص النية، وخلوص الطوية، فإنما الأعمال بالنيات، فينوي التقرب إلى الله تعالى بزيارة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.