اللوح السماقي اللون الثاني في تلك الجهة من الألواح الملونة التي يحيط بها الرخام الأبيض البارز قطعة أوسع من الدينار ملصقة في ظاهر اللوح المذكور بالجص، فأشيع أنها جوهرة نفيسة ذات لمعان، ثم إن متولي العمارة أرانيها فإذا هي حجر عسلي اللون يميل حمرته إلى الصفرة، قال: وأظنه حجر اليرقان، وقد خشي عليه متولي العمارة إن أعيد لصقا كهيئته الأولى، فأمر بنقر الرخامة المذكورة وتنزيله فيها، ففعلوا ذلك، وأعادوا تلك الرخامة إلى محلها.
ولم أر من نبه على ابتداء حدوث الرخام الذي حول الحجرة الشريفة بالأرض والظاهر أنه حدث عند حدوث تأزيرها بالرخام؛ لما تقدم من كلام يحيى في أمر الحجر الذي كان يتبرك به من أن الحسين بن عبد الله كان يكشف عنه الحصى، وأنه لم يدخل في البناء، وأنه فقده عند تأزير الحجرة بالرخام، فدل ذلك على أنه رخم الأرض أيضا، وإلا لما استتر الحجر المذكور.
وأما ترخيم المصلّى الشريف فلا أدري متى زمن حدوثه، وله ذكر في رحلة ابن جبير.
وأما الرخام الذي بالمحراب العثماني وما حوله فالقديم منه- أعني بعد الحريق الأول- ترخيم المحراب وشيء يسير عن جنبتيه، وفي دولة السلطان الملك الظاهر جقمق في أول عشر الستين وثمانمائة أمر بعمل الوزرة التي في الجدار القبلي، فاتصل ذلك بترخيم المحراب المذكور، وقد جدد غالب ذلك في العمارة التي أدركناها أيضا، وأبدل الطراز الأول الذي كان بأعلى الوزرة وكان محمرا بماء الذهب الطراز الموجود اليوم، ثم زال ذلك كله في حريق المسجد الثاني، ثم أعيد مع زيادة فيه مما يلي المنارة الرئيسية، ومع ترخم ما حول الحجرة الشريفة وتأزيرها بالرخام، ومع ما سبق من عمل محراب المصلى الشريف وترخيمه، ورخموا أيضا الدعائم المواجهة للوجه الشريف التي أحدثوها عند عمارة القبة الثانية من داخل المقصورة وخارجها، وجميع ما يوجد من الرخام بالمسجد اليوم من عمل سلطان زماننا الأشرف قايتباي، أعز الله أنصاره، وضاعف اقتداره! والله أعلم.
[الفصل الرابع والعشرون في الصندوق الذي في جهة الرأس الشريف، والمسماة الفضة المواجه للوجه الشريف، ومقام جبريل من الحجرة الشريفة، وكسوتها، وتخليقها]
أما الصندوق فلم أعلم ابتداء حدوثه، وكذلك القائم المحلّى فوقه، إلا أنه قد ظهر لنا في هذه العمارة التي أدركناها أنه كان موجودا قبل حريق المسجد الأول؛ لأن متولي العمارة كان قد قلعه لاقتضاء رأيه قلع حلية الفضة التي كانت على القائم الخشب الذي فوق الصندوق ليحكم صوغها، وزاد ذلك فضة وتمويها بالذهب، وأصلح حلية الصندوق أيضا،