فكان مربعا، طوله من القبلة إلى الشام أحد وعشرون ذراعا، ومن المشرق إلى المغرب مثل ذلك، والله أعلم.
[مسجد الإجابة]
ومنها: مسجد الإجابة، وهو مسجد بني معاوية بن مالك بن عوف من الأوس، كما قدمناه في المنازل مع بيان ما وقع للمطري ومن تبعه من الوهم في جعلهم من بني مالك بن النجار من الخزرج، وبيان منشأ الوهم، وما ناقض المطري به كلامه عند ذكره مسجد بني جديلة، وهو مسجد أبيّ الآتي في الفصل بعده.
وقد روينا في صحيح مسلم من حديث عامر بن سعد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أقبل ذات يوم من العالية، حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع ركعتين، وصلينا معه، ودعا ربّه طويلا، ثم انصرف إلينا فقال: سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة، سألته أن لا يهلك أمتي بالسّنة فأعطاني، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، فسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها، فهذا سبب تسمية هذا المسجد بمسجد الإجابة.
وروى ابن شبة بسند جيد، وهو في الموطأ، عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك قال: جاءنا عبد الله بن عمر في بني معاوية، وهي قريبة من قرى الأنصار، فقال:
تدرون أين صلّى النبي صلى الله عليه وسلم في مسجدكم هذا؟ فقلت: نعم، وأشرت له إلى ناحية منه، قال:
فهل تدرون ما الثلاث التي دعا بهن فيه؟ قلت: نعم، قال: فأخبرني، قلت دعا أن لا يظهر عليهم عدو من غيرهم، وأن لا يهلكهم بالسنين، فأعطيهما، ودعا أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعها، قال: صدقت، فلن يزال الهرج إلى يوم القيامة.
وعن سعد بن أبي وقاص أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فمرّ بمسجد بني معاوية، فدخل فركع فيه ركعتين، ثم قام فناجى ربّه، ثم انصرف.
ونقل ابن شبة أيضا عن أبي غسان عن محمد بن طلحة أنه قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى في مسجد بني معاوية على يمين المحراب نحوا من ذراعين.
قلت: فينبغي أن يتحرّى بالصلاة ذلك المحل، وأن يكون الدعاء فيه قائما بعد الصلاة؛ للرواية المتقدمة.
وهذا المسجد هو المراد بقول ابن النجار في المسجدين اللذين أدركهما خرابا قريب البقيع أحدهما يعرف بمسجد الإجابة وفيه أسطوانات قائمة ومحراب مليح وباقية خراب.
قلت: ليس به اليوم شيء من الأساطين، وقد رمّم ما تخرب منه، وهو في شمالي البقيع على يسار السالك إلى العريض، وسط تلول هي آثار قرية بني معاوية، وذرّعته فكان من المشرق إلى المغرب خمسة وعشرين ذراعا ينقص يسيرا، وكان من القبلة إلى الشام عشرين ذراعا ينقص يسيرا.