قلت: وعدد كل صف من أساطينه اليوم بين المشرق والمغرب سبع أيضا.
وقال الزين المراغي عقب نقل ذلك عن ابن زبالة: فيحتمل أن هذه- يعني الصفة المذكورة في كلام ابن زبالة- صفة بناته عليه الصلاة والسلام، ويؤكده قولهم «ولم يزل مسجد قباء على ما بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن بناه عمر بن عبد العزيز» أي زمن الوليد.
قلت: وما أيد به الاحتمال المذكور لم أره في كلام أحد من المؤرخين غير المطري ومن تبعه.
وقد روى ابن شبة ما يصرح بخلافه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: إن ما بين الصومعة إلى القبلة زيادة زادها عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه.
قلت: والصومعة هي المنارة التي في ركنه الغربي مما يلي الشام، وسيأتي في ترجمة غرة أنه اسم أطم لبني عمرو بن عوف ابتنيت المنارة في موضعه.
وقال ابن النجار: كان النبي صلى الله عليه وسلم نزل بقباء في منزل كلثوم بن الهدم، وأخذ مربده فأسسه مسجدّا وصلى فيه، ولم يزل ذلك المسجد يزوره صلى الله عليه وسلم ويصلي فيه أهل قباء، فلما توفي صلى الله عليه وسلم لم تزل الصحابة تزوره وتعظمه.
[تجديد مسجد قباء]
ولما بنى عمر بن عبد العزيز مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بنى مسجد قباء ووسّعه، وبناه بالحجارة والجص، وأقام فيه الأساطين من الحجارة بينها عواميد الحديد والرصاص، ونقشه بالفسيفساء، وعمل له منارة، وسقفه بالساج، وجعله أروقة، وفي وسطه رحبة، وتهدّم على طول الزمان حتى جدّد عمارته جمال الدين الأصفهاني وزير بني زنكي الملوك ببلاد الموصل.
قلت: وكان تجديد الجواد لمسجد قباء في سنة خمس وخمسين وخمسمائة، كما قاله المطري.
وفيما قدمناه من صورة ما كتب في محراب الدكة التي بالرواق الذي يلي الرحبة ما يقتضي أنه جدد بعد ذلك في سنة إحدى وسبعين وستمائة.
وبالمسجد منقوش أيضا ما يقتضي أن الناصر بن قلاوون جدّد فيه شيئا سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، وجدد غالب سقفه الموجود اليوم الأشرف برسباي على يد ابن قاسم المحلى أحد مشايخ الخدّام سنة أربعين وثمانمائة.
وقد سقطت منارته سنة سبع وسبعين وثمانمائة، فجدّدها متولي العمارة في زماننا الجناب الخواجكي الشمسي بن الزمن- عامله الله بلطفه- في سنة إحدى وثمانين وثمانمائة في أثناء عمارته السابقة بالمسجد النبوي بعد هدمها إلى الأساس، وهدم الأسطوانة التي كانت لاصقة بها، وكانت تلك الأسطوانة محكمة بالرصاص، وأعيدت بغير رصاص،