الخارجة. ثم قال يحيى: ورأيت غير واحد من أهل بيتي منهم عبد الله وإسحاق ابنا موسى بن جعفر وحسين بن عبد الله بن عبد الله بن حسين يصلون إلى هذه الأسطوانة الخارجة إذا جاؤوا قباء، ويذكرون أنه مصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ورأيت من أهل بيتي من يأتي قباء فيصلي إليها ممن يقتدى به ممن لا أبالي أن لا أرى غيره في الفقه والعلم، انتهى.
وعن يمين مستقبل الأسطوانة المذكورة هيئة محاريب في رحبة المسجد لم أعلم أصلها، وبالرواق الذي يلي الرحبة قريبا من محاذاة محراب المسجد دكّة مرتفعة عن أرض المسجد يسيرا أمامها محراب فيه حجر منقوش فيه قوله تعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ [التوبة: ١٠٨] الآية، وبعدها ما لفظه: هذا مقام النبي صلى الله عليه وسلم، جدّد هذا المسجد في تاريخ سنة إحدى وسبعين وستمائة، ولم يتبين اسم من جدد المسجد. وظاهر حال من صنع ذلك في هذا المحل أنه محلّ المصّلى الشريف، وفيما قدمناه ما يرده، وقد اغترّ المجد بذلك فجزم بأن تلك الدكة هي أول موضع صلّى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه حين ألّف كتابه كان غائبا عن المدينة، فوصف تلك الدكة بقوله: وفي صحنه مما يلي القبلة شبه محراب على مصطبة هو أول موضع ركع فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه وصفها بأنها في صحن المسجد ليجامع ما تقدم عن المؤرخين في وصف المصلى الشريف. ولا يصح القول بأنها كانت أولا في رحبة المسجد؛ لاحتمال أنه زيد بعده في المسقف القبلي رواق؛ لما سنبينه من أن أروقة المسجد ورحبته كانت على ما هي عليه اليوم، لم يزد فيها شيء بعد ما ذكره المؤرخون.
ثم رأيت ما ذكره المجد بحدوثه في رحلة ابن جبير، وكانت عام ثمان وسبعين وخمسمائة، فتلك الدكة التي يعنيها ابن جبير كانت في صحن المسجد عند الأسطوانة التي إليها اليوم المحراب في رحبة المسجد، فيوافق ما أطبق عليه الناس وكأنها دثرت على طول الزمان، ثم أعيدت في غير محلها فإنه ذكر أنها بصحن المسجد مما يلي القبلة، ووصف أروقة المسجد بما هي عليه اليوم؛ فليست الدكة الموجودة اليوم لحدوثها بعده.
وأما الحظيرة التي بصحن المسجد فلم أر في كلام المتقدمين تعرضا لذكرها، والشائع على ألسنة أهل المدينة أنها مبرك ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، وبه جزم المجد تبعا لابن جبير في رحلته؛ فقال: وفي وسط المسجد مبرك الناقة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعليه حظيرة قصيرة شبه روضة صغيرة يتبرك بالصلاة فيه، انتهى.
وهو محتمل؛ لأن أصل مسجد قباء كان مربدا لكلثوم بن الهدم، وعليه نزل النبي صلى الله عليه وسلم على ما أسلفناه، فأعطاه النبيّ صلى الله عليه وسلم فأسّسه مسجدّا. وقيل فيه غير هذا مما قدمناه.
وقال ابن زبالة: حدثنا عاصم بن سويد عن أبيه قال: وكان مسجد قباء على سبع أساطين، وكانت له درجة لها قبة يؤذن فيها يقال لها النعامة، حتى زاد فيه الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد ذلك.