للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها» بل لو تعلق متعلق بما قررناه من كون القبر الشريف منبع جميع الخيرات وهو بالمدينة فتكون هي أفضل لكان له وجه.

وقد قال الحكيم الترمذي في نوادره: سمعت الزبير بن بكار يقول: صنّف بعض أهل المدينة في المدينة كتابا، وصنف بعض أهل مكة في مكة كتابا، فلم يزل كل واحد منهما يذكر بقعته بفضيلة، يريد كل واحد منهما أن يبرز على صاحبه بها، حتى برز المدني على المكي في خلّة واحدة عجز عنها المكي، وأن المدني قال: إذ كل نفس إنما خلقت من تربته التي يدفن فيها بعد الموت، وكان نفس الرسول إنما خلقت من تربة المدينة؛ فحينئذ تلك التربة لها فضيلة بارزة على سائر الأرض.

[يخلق الإنسان من تربة الأرض التي يدفن فيها]

قلت: ويدل لما ذكر من أن النفس تخلق من تربة الدفن ما رواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح وله شواهد صحيحة عن أبي سعيد، قال: «مرّ النبي صلّى الله عليه وسلّم عند قبر، فقال: قبر من هذا؟ فقالوا: فلان الحبشي يا رسول الله، فقال: لا إله إلا الله، سيق من أرضه وسمائه إلى التربة التي منها خلق» ورواه الحكيم الترمذي بنحوه عن أبي هريرة، ورواه البزار عن أبي سعيد بنحوه، وفيه عبد الله والد ابن المديني وهو ضعيف، وروى الطبراني في الأوسط نحوه عن أبي الدرداء، وفيه الأحوص بن حكيم، وثّقه العجلي، وضعفه الجمهور، وروي في الكبير أيضا نحوه عن ابن عمر، وقال الذهبي في بعض رواته:

ضعفوه، وأسند ابن الجوزي في الوفاء عن كعب الأحبار: لما أراد الله عز وجل أن يخلق محمدا صلّى الله عليه وسلّم أمر جبريل فأتاه بالقبضة البيضاء التي هي موضع قبره صلّى الله عليه وسلّم فعجنت بماء التسنيم، ثم غمست في أنهار الجنة، وطيف بها في السموات والأرض، فعرفت الملائكة محمدا وفضله قبل أن تعرف آدم عليه السلام، وسيأتي لهذا مزيد بيان في سرد خصائصها.

وقال الحكيم الترمذي في حديث: «إذا قضى الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة": إنما صار أجله هناك لأنه خلق من تلك البقعة، وقد قال الله تعالى: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ [طه: ٥٥] الآية، قال: فإنما يعاد المرء من حيث بدئ منه، قال: وروي أن الأرض عجّت «١» إلى ربها لما أخذت تربة آدم عليه السلام، فقال لها: سأردها إليك، فإذا مات دفن في البقعة التي منها تربته.

وعن يزيد الجريري قال: سمعت ابن سيرين يقول: لو حلفت حلفت صادقا بارّا غير شاك ولا مستثن أن الله تعالى ما خلق نبيه صلّى الله عليه وسلّم ولا أبا بكر ولا عمر إلا من طينة واحدة ثم ردهم إلى تلك الطينة.


(١) عجّ، عجا وعجّة: رفع صوته وصاح. ويقال: عجّ إلى الله بالدعاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>