مصرّح بأنه من المصاحف التي بعث بها عثمان إلى الآفاق، لا أنه الذي قتل وهو في حجره، وقد قال ابن قتيبة: كان مصحف عثمان الذي قتل وهو في حجره عند ابنه خالد، ثم صار مع أولاده وقد درجوا. قال: وقال لي بعض مشايخ أهل الشام: إنه بأرض طوس، انتهى.
وقال الشاطبي ما حاصله: إن مالكا رحمه الله قال: إنما يكتب المصحف على الكتابة الأولى، لا على ما استحدثه الناس. قال: وقال: إن مصحف عثمان رضي الله عنه تغيب فلم يجد له خبرا بين الأشياخ. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه في القراآت: رأيت المصحف الذي يقال له الإمام مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، استخرج لي من بعض خزائن الأمراء، وهو المصحف الذي كان في حجره حين أصيب، ورأيت آثار دمه في مواضع منه. ورده أبو جعفر النحاس بما تقدم من كلام مالك. قال الشاطبي: وأباه المنصفون لأنه ليس في قول مالك «تغيّب» ما يدل على عدم المصحف بالكلية بحيث لا يوجد؛ لأن ما تغيب يرجى ظهوره.
قلت: فيحتمل أنه بعد ظهوره نقل إلى المدينة، وجعل بالمسجد النبوي. لكن يوهن هذا الاحتمال أن بالقاهرة مصحفا عليه أثر الدم عند قوله تعالى: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ [البقرة:
١٣٧] الآية كما هو بالمصحف الشريف الموجود اليوم بالمدينة، ويذكرون أنه المصحف العثماني، وكذلك بمكة، والمصحف الإمام الذي قتل عثمان رضي الله عنه وهو بين يديه لم يكن إلا واحد، والذي يظهر أن بعضهم وضع خلوقا على تلك الآية تشبيها بالمصحف الإمام، ولعل هذه المصاحف التي قدمنا ذكرها مما بعث به عثمان رضي الله عنه إلى الآفاق، كما هو مقتضى كلام ابن جبير في المصحف الموجود بالمدينة، وفي الصحيح من حديث أنس في قصة كتابة عثمان رضي الله عنه للقرآن من الصحف التي كانت عند حفصة «وأنه أمر بذلك زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وأنه أرسل إلى كل أفق بمصحف كما نسخوا» .
[مصاحف عثمان التي أرسلها إلى الآفاق]
واختلف في عدة المصاحف التي ارسل بها عثمان إلى الآفاق؛ فالمشهور كما قال الحافظ ابن حجر أنها خمسة. وأخرج ابن أبي داود في كتاب المصاحف من طريق حمزة الزيات قال:
أرسل عثمان أربعة مصاحف، وبعث منها إلى الكوفة بمصحف، فوقع عند رجل من مراد فبقي حتى كتبت مصحفي عليه. قال ابن أبي داود: وسمعت أبا حاتم السجستاني يقول:
كتب سبعة مصاحف، وأرسلها إلى مكة، وإلى الشام، وإلى اليمن، وإلى البحرين، وإلى البصرة، وإلى الكوفة، وحبس بالمدينة واحدا، انتهى.
وليس معنا في أمر المصحف الموجود اليوم سوى مجرد احتمال، والله أعلم.