للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي متعالية لهم واد رغاث يقال له كراء في علياء دار بني هلال على ليلتين من الطائف، وكانت بنو هلال ينهضون على أهله، حتى جمعت لهم الضباب جمعا وقتلوا منهم وسبوا، وجاؤوا ببعضهم إلى الحمى فهابوهم.

وللضباب ملك آخر يقال له العرّى بناحية بيشة قرب تبالة، فجاورت جمل بني الهدر في تلك الناحية، وأغارت لصوصهم على عكرة لها يوم الأضحى، واغتنموا تشاغل الناس بالعيد، فقالت جمل وكان بليغة:

بنى الهدر ماذا تأمرون بعكرة ... قلائد لم تخلط بخبث نصابها

تظل لأبناء السبيل مناخة ... على الماء يعطى درّها ورقابها

أقول وقد ولّوا بهيت كأنه ... مناكب حوضي رملها وهضابها

ألهف على يوم كيوم سويقة ... شفى غل أكباد فساغ شرابها

بنى الهدر لو كنتم كراما وفيتم ... لجارتكم حتى يحين انقلابها

ولكنما أنتم حمير حساءة ... مجدّعة الأذناب غلب رقابها

فأشارت بقولها «كيوم سويقة» إلى وقعة كانت للضباب مع عامل ضرية مهروب الهمداني من قبل زياد بن عبيد الله الحارثي، وذلك أن عاملا له مع حواط الحمى وجدوا نعما للضباب في الحمى بناحية سويقة فطردوها أقبح الطرد، فركبوا في أثره، فأصابوه بضرب، وعقروا راحلته، فأتى عامل ضرية، فخرج بجنده وسخر رجالا معه من أهل ضرية كرها حتى لقي نعما للضباب فيها بعضهم، فأسر نفرا منهم، فبلغ الضباب، فأدركوه بسويقة فكر عليهم، فنادوا: يا أهل ضرية، أنتم مكرهون فاعتزلوا، ونادوه أن خل سبيل أصحابنا وما أصيب منا بالذي أصبنا منك، فتراموا بالنبل حتى فنيت، ثم اقتتلوا فانهزم، وأدركوه فقطعوه بالسيوف، وقتلوا نفرا من أصحابه، ورجعوا بالأسرى.

ثم يلي سويقة جبل ذو قنان كثيرة، ليس بالحمى أكبر منه إلا أن يكون شعبي، وهو جبل أسود، في أرض الضباب، كثير المعادن من التبر، كان به معدن يقال له النجادي، كان لابن أبي بحّاد، لم يعلم في الأرض مثله؛ فعن شيخ من موالي خزاعة أنه خرج منه ما لم يسمع بمثله، ورخص الذهب بالعراق والحجاز لما أن كثر حتى قل نيله لغلبة الماء عليه وقر به قرية عظيمة، وكان له عامل مفرد يخرج من المدينة.

[كبد منى]

ثم كبد منى: قنة عظيمة مفردة شرقي منى، وهو جبل يشرف على ما حوله ينظر إليه الحجاج حين يصدرون عن مرة، وبين حليت ومني جبل يقال له قادم، وإلى جنبه قويدم، وبهما مياه يقال لها القادمة من أطيب ماء بالحمى وأرقه، يضرب بها المثل في العذوبة، بينها

<<  <  ج: ص:  >  >>