للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلوك هذه المسالك، سلطان زماننا الملك المالك لصفوة الممالك الأشرف أبو النصر قايتباي، أعزّ الله أنصاره، وضاعف اقتداره؛ فلذلك أجرى الله على يديه هذه العمارة، وآثره بهذه الأثارة، ومن تأمل ما قدمناه في الفصل السادس والعشرين في الحريق الأول عن المؤرخين من عمل سقف المسجد على يد من سبق وطول مدته وصفته، وأحاط علما بما أسلفناه عن سلطان زماننا في عمارته، حكم يقينا بعلو همته، وفخار منقبته ومرتبته، واختصاصه بما لم يفز به من سبقه؛ فكان هو سابقا، وإن عد في الزمان لاحقا، وقد ذكرنا ما له بالحجاز الشريف من الآثار الجميلة، وبعض مناقبه الجليلة، في الفصل الثالث والثلاثين في خوخة آل عمر رضي الله عنه لما خصه الله به من حسم مادة المفاسد المترتبة عليها في زماننا، وأمره بسدّ طابقها، شكر الله صنيعه، وحصّنه من العداة بحصونه المنيعة.

[خاتمة فيما نقل من عمل نور الدين الشهيد لخندق حول الحجرة الشريفة مملوء بالرصاص، وذكر السبب في ذلك، وما ناسبه]

اعلم أني قد وقفت على رسالة قد صنّفها العلامة جمال الدين الأسنوي في المنع من استعمال الولاة للنصارى، وسماها بعضهم «بالانتصارات الإسلامية» ورأيت عليها بخط تلميذه شيخ مشايخنا زين الدين المراغي ما صورته «نصيحة أولي الألباب، في منع استخدام النصارى كتاب» لشيخنا العلامة جمال الدين الأسنوي، ولم يسمه، فسميته بحضرته، فأقرني عليه، انتهى. فرأيته ذكر فيها ما لفظه: وقد دعتهم أنفسهم- يعني النصارى- في سلطنة الملك العادل نور الدين الشهيد إلى أمر عظيم ظنوا أنه يتم لهم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، وذلك أن السلطان المذكور كان له تهجّد يأتي به بالليل، وأوراد يأتي بها، فنام عقب تهجده، فرأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في نومه وهو يشير إلى رجلين أشقرين ويقول: أنجدني أنقذني من هذين، فاستيقظ فزعا، ثم توضأ وصلى ونام فرأى المنام بعينه، فاستيقظ وصلى ونام فرآه أيضا مرة ثالثة، فاستيقظ وقال: لم يبق نوم، وكان له وزير من الصالحين يقال له جمال الدين الموصلي، فأرسل خلفه ليلا، وحكى له جميع ما اتفق له، فقال له: وما قعودك؟

اخرج الآن إلى المدينة النبوية، واكتم ما رأيت، فتجهز في بقية ليلته، وخرج على رواحل خفيفة في عشرين نفرا، وصحبته الوزير المذكور، ومال كثير، فقدم المدينة في ستة عشر يوما، فاغتسل خارجها ودخل فصلى بالروضة، وزار، ثم جلس لا يدري ماذا يصنع، فقال الوزير وقد اجتمع أهل المدينة في المسجد: إن السلطان قصد زيارة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأحضر معه أمولا للصدقة، فاكتبوا من عندكم، فكتبوا أهل المدينة كلهم، وأمر السلطان بحضورهم، وكل من حضر ليأخذ يتأمله ليجد فيه الصفة التي أراها النبي صلّى الله عليه وسلّم له فلا يجد تلك الصفة،

<<  <  ج: ص:  >  >>