للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثاني في مسجد قباء، وفضله، وخبر مسجد الضّرار

[مسجد قباء، وفضله]

[تأسيس مسجد قباء]

تقدم تأسيس النبي صلى الله عليه وسلم لمسجد قباء في الفصل العاشر من الباب الثالث، عند مقدمه صلى الله عليه وسلم قباء، وبسطنا ذلك هناك، فراجعه وذكرنا هناك ما جاء من أن النبي صلى الله عليه وسلم عمل فيه بنفسه، وأنه أسّسه وجبريل يؤمّ به البيت، وأنه كان يقال: إنه أقوم مسجد قبلة، وأنه صلى الله عليه وسلم أسسه ثانيا بعد تحويل القبلة، وقدمنا أيضا قول عروة في الصحيح في حديث الهجرة الطويل «فلبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى» .

وفي رواية عبد الرزاق عنه قال «الذين بنى فيهم المسجد الذي أسس على التقوى هم بنو عمرو بن عوف» وكذا في حديث ابن عباس عند ابن عابد ولفظه «ومكث في بني عمرو بن عوف ثلاث ليال، واتخذ مكانه مسجدّا فكان يصلي فيه، ثم بناه بنو عمرو بن عوف، فهو الذي أسس على التقوى» وقدمنا أيضا أنه أول مسجد بناه النبي صلى الله عليه وسلم وصلى فيه بأصحابه جماعة ظاهرا.

قال الحافظ ابن حجر: اختلف في المراد بقوله تعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ [التوبة: ١٠٨] فالجمهور على أن المراد مسجد قباء، وهو ظاهر الآية، وتقدم في فضل المسجد النبوي حديث مسلم المشتمل على أن أبا سعيد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال «هو مسجدكم هذا» وفي رواية لأحمد والترمذي عنه: اختلف رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى، فقال أحدهما: هو مسجد المدينة، فسألاه عن ذلك، فقال: هو هذا، وفي ذلك- يعني مسجد قباء- خير كثير، وقدمنا أيضا الجمع بأن كلا من المسجدين قد أسس على التقوى من أول يوم تأسيسه، وأنهما المراد من الآية، وأن السر في اقتصاره صلى الله عليه وسلم على ذكر مسجد المدينة دفع توهم اختصاص ذلك بمسجد قباء، كما هو ظاهر ما فهمه السائل وتنويها بمزية مسجده الشريف.

قال الحافظ ابن حجر: والحق أن كلا منهما أسس على التقوى، وقوله تعالى في بقية الآية فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا [التوبة: ١٠٨] يؤيد كون المراد مسجد قباء.

وعند أبي داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نزلت فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا في أهل قباء، قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت فيهم هذه الآية.

قال الحافظ ابن حجر: فالسر في جوابه صلى الله عليه وسلم بما تقدم دفع توهم أن ذلك خاص بمسجد قباء.

<<  <  ج: ص:  >  >>