وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً [التوبة: ١٠٨] كان لا يمر بالطريق التي فيها المسجد، وهذا مما يؤيد ما قدمناه من أن المراد من قوله تعالى لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى [التوبة: ١٠٨] مسجد قباء.
وقال ابن عطية: روى عن ابن عمر أنه قال: المراد بالمسجد المؤسّس على التقوى هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد يعني بقوله تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ [التوبة: ١٠٩] هو مسجد قباء، وأما البنيان الذي أسّس على شفا جرف هار فهو مسجد الضّرار بالإجماع.
وقوله «فانهار به في نار جهنم» قال ابن عطية: الظاهر منه ومما صح من خبرهم وهدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجدهم أنه خارج مخرج المثل لهم: أي حالهم كمن ينهار بنيانه في نار جهنم. وقيل: بل ذلك حقيقة، وأن ذلك المسجد بعينه انهار في نار جهنم، قاله قتادة وابن جريج. وروى عن جابر بن عبد الله وغيره أنه قال: رأيت الدخان يخرج منه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه حين انهار حتى بلغ الأرض السابعة، ففزع لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى أنهم لم يصلّوا فيه أكثر من ثلاثة أيام، وانهار في الرابع. قال ابن عطية: وهذا كله بإسناد لين، والأول أصح.
واسند الطبري عن خلف بن يامين أنه قال: رأيت مسجد المنافقين الذين ذكر في القرآن، ورأيت فيه مكانا يخرج منه الدخان، وذلك في زمن أبي جعفر المنصور.
وقيل: كان الرجل يدخل فيه سعفة فتخرج سوداء محترقة، ونقل عن ابن مسعود أنه قال: جهنم في الأرض، ثم تلا فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ [التوبة: ١٠٩] .
[الخلاف في موضع مسجد الضرار]
قال الجمال المطري: وأما مسجد الضّرار فلا أثر له، ولا يعرف له مكان فيما حول مسجد قباء، ولا غير ذلك.
قلت: وهو كذلك، لكن بالنسبة إلى زمنه وزمننا؛ فقد قال ابن جبير في رحلته: وهذا المسجد مما يتقرب الناس إلى الله برجمه وهدمه وكان مكانه بقباء عارض به اليهود مسجد قباء.
وقوله «اليهود» صوابه المنافقون.
وقال ابن النجار: وهذا المسجد قريب من مسجد قباء، وهو كبير، وحيطانه عالية، وتؤخذ منه الحجارة، وقد كان بناؤه مليحا، انتهى.
وهذا يقتضي وجوده في زمن ابن النجار على تلك الحالة، وقد قال المطري: إنه وهم لا أصل له، وتعقبه المجد بأنه لا يلزم من وجوده زمان ابن النجار كذلك استمراره، وقد