للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى يحيى في كتابه عن محمد بن يحيى بن زيد النوفلي عن أبيه عن الثقة عنده أن عائشة رضي الله عنها ذكرت أن بعض نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم دعت نجارا فعلّق ضبة لها، وأن النجار ضرب المسمار في الضبة ضربا شديدا، وأن عائشة رضي الله عنها صاحت بالنجار كلمته كلاما شديدا وقالت: ألم تعلم أن حرمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ميتا كحرمته حيّا؟ فقالت الآخرى: وماذا سمع من هذا؟ قالت: إنه ليؤذي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صوت هذا الضرب اليوم ما يؤذيه لو كان حيا.

[حج السلطان قايتباي]

ولم أزل منذ قدمت المدينة أنكر هذا الأمر بالقلب واللسان وكتابة البنان، ولكن لم أجد على ذلك معينا، لرسوخ الطباع العامية في التمسك بالعوائد الماضية من غير روية، وقد نبهت على إنكار ذلك في كتابي «الوفا، بما يجب لحضرة المصطفى» صلّى الله عليه وسلّم، ثم شافهت في أمره مولانا الهمام، سلطان ممالك الإسلام، ذا الشجاعة التي شاعت عجائبها، والشهامة التي ذاعت غرائبها، سلطان الإسلام والمسلمين، ووجهة القاصدين والآملين، السلطان الملك الأشرف قايتباي، جعل الله الممالك منظومة في سلك ملكه، وأقطار الأرض جارية في حوزه وملكه، فإنه لما حج سنة أربع وثمانين وثمانمائة بدأ بالمدينة النبوية لزيارة التربة المصطفوية على الحال بها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات، فقدمها طلوع الفجر من يوم الجمعة الميمون الثاني والعشرين من ذي القعدة الحرام، فلبس لدخولها حلل التواضع والخشوع، وتحلى بما يجب لتلك الحضرة النبوية من الهيبة والخضوع، فترجّل عن جواده عند باب سورها، ومشى على أقدامه بين رباعها ودورها، حتى وقف بين يدي الجناب الرفيع، الحبيب الشفيع، صلّى الله عليه وسلّم، وناجاه بالتسليم، وفاز من ذلك بالحظ الجسيم، ثم ثنى بضجيعيه رضي الله تعالى عنهما بعد أن صلّى بالروضة الشريفة التحية، وعفّر وجهه في ساحتها السنية، وعرض عليه الدخول إلى المقصورة المستديرة حول جدار القبور الشريفة، المعروفة اليوم بالحجرة المنيفة، فتعاظم ذلك، وقال: لو أمكنني أن أقف في أبعد من هذا الموقف وقفت، فالجناب عظيم، ومن ذا الذي يقوم بما يجب له من التعظيم؟ ثم صلّى صبح الجمعة في الصف الأول بين فقراء الروضة عند أسطوان المهاجرين بالقرب من مصلاي، كان بيني وبينه إمامه شيخ الشيوخ الإمام العلامة نادرة الزمان وعين الأعيان برهان الدين الكركي، فسح الله في أجله، وأدام النفع به، ولم يكن بيني وبينه سابق معرفة، حتى إني لم أبدأه بسلام ولا كلام، وكذلك السلطان أعزه الله أنصاره وضاعف اقتداره، لم أتعرف إليه، ولم يكن ذلك في خلدي ولا عزمت عليه، ثم توجه السلطان بجماعته لزيارة عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حمزة بن عبد المطلب ومن يليه من شهداء أحد رضوان الله عليهم، فمشى مترجلا

<<  <  ج: ص:  >  >>